ليبيا بعد العاصفة دانيال.. خسائر زراعية كارثية تهدد الأمن الغذائي والتنوع البيولوجي

بعد ما يقارب العامين من اجتياح العاصفة دانيال لليبيا، لا تزال البلاد ترزح تحت وطأة تداعيات بيئية وزراعية غير مسبوقة، تُهدد بشكل مباشر أمنها الغذائي وتوازنها البيئي.
اجتاحت العاصفة، التي تُعدّ الأكثر فتكًا في تاريخ البحر الأبيض المتوسط، منطقة شرق ليبيا في سبتمبر 2023، متسببةً بانهيار سدين رئيسيين وفيضانات مدمّرة جرفت أراضٍ زراعية واسعة، وعلى رأسها مدينة درنة ومحيطها، حيث يقع الجبل الأخضر، أحد أغنى مناطق البلاد بالتنوع البيولوجي.
المشهد الزراعي تغير بالكامل
يوضح إدريس المهدي، رئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة الليبية للزراعة والبيئة، أن التأثيرات كانت أشبه بفصل بين "ما قبل دانيال وما بعدها"، قائلاً: "جرفت الفيضانات التربة السطحية الخصبة إلى البحر، وهي طبقة لا يمكن تعويضها في المدى القريب. حتى شواطئ درنة ظلّت حمراء لأسابيع، دلالة على حجم الانجراف البيئي."
ويتابع المهدي موضحًا حجم الكارثة: "فقدنا 40% من المساحات المزروعة بالخضراوات و90% من إنتاج الفواكه. ومنذ ذلك الحين، نعتمد بشكل كبير على الواردات من تونس والجزائر ومصر، إلى جانب مصادر أوروبية وأفريقية، لتأمين الحد الأدنى من احتياجاتنا الغذائية."
كارثة متداخلة الأبعاد
لم تقتصر الأضرار على الزراعة فحسب، بل امتدّت إلى النظام البيئي بأكمله. يشير المهدي إلى بدء انقراض العديد من الأنواع النباتية، بالإضافة إلى ظهور ظواهر جديدة ومقلقة، مثل الجفاف، وتقلص المراعي، وتوسع انتشار الجراد الصحراوي.
في منطقة فزان، ذات الأهمية الاستراتيجية في زراعة الحبوب والتمور، تسبّبت هذه الظواهر في تأخر الحصاد ودمار المحاصيل، في مشهد يعكس تصاعد الأزمة.
إصلاحات بنية تحتية... لكن البيئة تنتظر
رغم إحراز تقدم ملموس في ترميم البنية التحتية بدعم دولي، فإن الأضرار الزراعية والبيئية ما زالت خارج السيطرة، وفق المهدي، الذي أشار إلى استمرار التعاون مع منظمات دولية كـمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) لتقييم الأضرار ووضع خطط التعافي.
ويختم المهدي بتوصيف دقيق لحجم التحدي: "ما نواجهه اليوم ليس مجرد أزمة بيئية عابرة، بل أزمة هيكلية شاملة تتطلب تدخلًا عاجلًا واستراتيجية طويلة الأمد لضمان استدامة القطاع الزراعي والحفاظ على البيئة الليبية."