الأرض
موقع الأرض

طبيب بيطري: منتجات الألبان الملوثة بوابة لأمراض مزمنة خطيرة

الألبان الملوثة بوابة للأمراض
إسلام موسى -

تحدث الدكتور محمد راضي الطنطاوي، الطبيب البيطري، حول واحدة من أكثر القضايا خطورة في مجال الصحة العامة، قائلاً: "المشكلة لا تكمن فقط في الدواء الذي نتعاطاه نحن، بل في الدواء الذي يُحقن في أجساد الحيوانات التي نأكلها، من لحوم وألبان، دون رقابة بيطرية حقيقية".

دواء الحيوان... يصل إلى الإنسان

وأوضح "الطنطاوي"، أن الكثير من مربّي الحيوانات يلجأون إلى إعطاء ماشيتهم أدوية مختلفة – سواء مضادات حيوية أو علاجات طفيليات، دون إشراف من طبيب بيطري، ودون احترام لفترات "السحب الدوائي"، وهي المدة اللازمة بعد استخدام الدواء قبل السماح باستهلاك لحوم الحيوان أو ألبانه.

وأضاف: "غياب الالتزام بهذه الفترات يعني أن بقايا الأدوية تظل موجودة في المنتجات الحيوانية، وتنتقل إلى الإنسان الذي يتناولها، دون أن يشعر، كأنما يتناول الدواء بنفسه، لكن هذه المرة.. بشكل صامت وخطير".


كيف نصنع بكتيريا لا تموت؟

وفي تفسير علمي مبسط، شدد الطنطاوي على أن بقايا المضادات الحيوية في الغذاء الحيواني تُسهم في نشوء سلالات من البكتيريا المقاومة لجميع أنواع العلاج.

وقال: "حين يتعرض الجسم لبكتيريا تأتي من لحوم أو ألبان تحتوي على بقايا دواء، فإن البكتيريا لا تُقتل بالكامل، بل تحصل على جرعة "غير قاتلة"، تُحفزها على تطوير مناعتها ضد نفس الدواء، وتورث هذا التكيف إلى الأجيال التالية منها".

وتابع: "هكذا تنشأ البكتيريا المتوحشة المقاومة، التي أودت بحياة الآلاف حول العالم، ولم تعد المضادات الحيوية التقليدية قادرة على مواجهتها".

الخطر الأكبر: أصحاب الأمراض المزمنة

وأكد الطبيب البيطري أن هناك فئات أكثر عرضة للخطر من غيرها، وفي مقدمتها مرضى الكبد والكلى، لأنهم يتأثرون بشدة عند تناولهم لحوماً أو ألباناً تحتوي على بقايا أدوية، خصوصًا تلك التي تُستخدم لعلاج طفيليات الدم المنتشرة في مصر.

وأشار إلى أن بعض الأدوية البيطرية تُمنع تمامًا عن مرضى الكلى والكبد، لأنها تؤثر بشكل مباشر على وظائف هذه الأعضاء، وقد تؤدي إلى مضاعفات صحية قاتلة إذا دخلت أجسامهم دون علم أو تشخيص طبي.

لا لحوم مذبوحة خارج المجازر... ولا ألبان مجهولة المصدر

وانطلاقًا من هذه الحقائق، شدد الطنطاوي على أهمية عدم شراء أي لحوم من خارج المجازر الرسمية، وكذلك عدم استهلاك الألبان التي لا تخضع للإشراف البيطري.

وأوضح أن المجازر الحكومية والجهات البيطرية هي الجهة الوحيدة القادرة على التأكد من سلامة الحيوان قبل الذبح، وخلوه من بقايا الأدوية أو الأمراض، قائلاً: "كل خطوة رقابية تُهمل تعني خطوة نحو خطر صحي قادم".

المستقبل يتطلب وعياً وتدخلاً صارماً

ومع تزايد التحذيرات الدولية من مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية، شدد الطنطاوي على ضرورة أن تتكاتف الجهات البيطرية والصحية والتشريعية لضبط تداول الأدوية البيطرية، ومنع بيعها العشوائي للمربين، ووضع رقابة صارمة على الأسواق، والمجازر، ومزارع الإنتاج الحيواني.

وأضاف: "لن نحمي صحة المواطن إلا إذا بدأنا من صحة الحيوان"، مؤكدًا أن المستقبل الآمن للغذاء يبدأ من التزام الجميع – منتجين ومستهلكين – بالوعي والرقابة.

صحتك ليست في صيدليتك فقط

إن ما يتناوله الإنسان من غذاء قد يكون هو الدواء.. أو هو الخطر القاتل. فليست الأدوية التي نبتلعها فقط ما يؤثر علينا، بل أيضًا تلك التي تُعطى للحيوانات دون رقابة أو إشراف، ثم تنتهي إلى أطباقنا. التعامل الواعي مع هذا الملف لا يخص المربين والأطباء فقط، بل يخص كل مستهلك يبحث عن صحة مستدامة لأسرته ومجتمعه.