عدوى قاتلة تضرب الكتاكيت وتخنق صناعة الدواجن

رغم ما حققته صناعة الدواجن في مصر من تطور خلال العقود الماضية، فإنها ما تزال تواجه تحديات صحية خطيرة، يأتي في مقدمتها مرض التهاب السُرّة في الكتاكيت، الذي عاد ليؤرق المربين من جديد، مسببًا خسائر فادحة خاصة خلال الأيام الأولى بعد الفقس، حين تكون الكتاكيت في أضعف مراحل نموّها.
الماضي: عدوى مهملة تقليديًا... وخسائر تتكرر
لطالما كان مرض التهاب السُرّة أحد الأمراض البكتيرية الشائعة في مزارع التفريخ والتربية، وخصوصًا في المنشآت التي لا تلتزم بإجراءات النظافة الصارمة. ورغم أن أسبابه معروفة منذ سنوات، فإن تجاهل الممارسات الوقائية أدى إلى استمرار تفشيه في دورات الإنتاج المتعاقبة.
وكانت العدوى تنتشر قديمًا بشكل كبير في مزارع الأمهات التي تُربى على الأرض، حيث تُشكّل البيئة الحاضنة للبكتيريا وتُهيّئ ظروف انتقال المرض إلى البيض، ثم إلى الكتكوت، بعد الفقس مباشرة.
الحاضر: اشتداد العدوى وتفاقم الخسائر
في الآونة الأخيرة، تفاقمت حالات الإصابة بهذا المرض، لتصبح ظاهرة مقلقة في عدد من المزارع، خصوصًا تلك التي تفتقر إلى التهوية المناسبة، والنظافة، والتطهير السليم في معامل التفريخ. وتشير التقارير البيطرية إلى أن العدوى تنتقل إما من الأمهات الحاملة للبكتيريا، أو نتيجة تلوث قشرة البيض أثناء الجمع أو النقل.
وتظهر على الكتاكيت المصابة أعراض واضحة منذ اليوم الأول، تشمل:
احمرارًا في منطقة السرة
تورمًا بالبطن
خمولًا وفقدانًا للشهية
تجمعًا غير طبيعي حول مصادر التدفئة
معدلات نفوق مرتفعة خلال الأسبوع الأول
كما تكشف الفحوصات التشريحية عن وجود كيس مح غير ممتص، وانتفاخ بالبطن، واصفرار بالكبد، ما يعكس حجم الضرر الذي يسببه المرض داخل الأجهزة الحيوية للكتكوت.
مستقبل المواجهة: بين الوقاية والتقنيات الحديثة
أمام هذا التحدي، دعا خبراء الطب البيطري إلى تبني استراتيجية شاملة للوقاية والسيطرة، تبدأ من تطهير بيض التفريخ بشكل منتظم، وتعقيم معامل التفريخ باستخدام وسائل فعالة، إضافة إلى توفير ظروف بيئية مثالية تشمل درجة حرارة ورطوبة مناسبة داخل العنابر.
وشدد الأطباء على ضرورة عدم استخدام المضادات الحيوية عشوائيًا، بل الاعتماد على اختبارات الحساسية لتحديد النوع المناسب من المضاد الحيوي القادر على مقاومة البكتيريا المسببة للمرض، وذلك لتجنب مقاومة الميكروبات مستقبلاً.
التوعية والتأهيل... أدوات نجاح ضرورية
وأكد المختصون أن رفع وعي المربين يُعدّ خط الدفاع الأول ضد المرض، مطالبين بتكثيف الحملات الإرشادية، وتوفير دورات تدريبية حول أساسيات النظافة والتربية الصحية، لضمان حماية القطيع من النفوق المبكر، والمحافظة على استقرار الإنتاج وجودة الكتاكيت خلال مراحل النمو اللاحقة.
هل تنجح مصر في احتواء الخطر؟
في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه قطاع الدواجن، يبدو أن التعامل العلمي والمنهجي مع الأمراض البكتيرية لم يعد خيارًا، بل ضرورة لا غنى عنها لضمان استدامة هذه الصناعة الحيوية، التي تمثل مصدرًا رئيسيًا للبروتين الحيواني، وفرص عمل لآلاف المصريين، وموردًا اقتصاديًا ذا أهمية متزايدة.
ومع تصاعد الوعي الصحي والاهتمام بالتربية الآمنة، قد يشهد القطاع تحولًا كبيرًا في السنوات المقبلة، إذا ما تم الاستثمار بجدية في الصحة الوقائية، والرقابة، والدعم الفني للمزارع الصغيرة، لتأمين دورة إنتاج مستقرة وصحية من أول يوم في حياة الكتكوت.