الدلتا تئن تحت حرارة التغير المناخي: محصول الأرز في خطر

في قلب مصر الخضراء، حيث تمتد الحقول من كفر الشيخ إلى الدقهلية والبحيرة، اعتاد الفلاحون أن يحتفلوا بمواسم الحصاد العامرة. لكن في السنوات الأخيرة، تغير المشهد. الأرض تُنذر، والماء يشح، والهواء لم يعد لطيفًا كما كان. تغير المناخ ليس خبرًا بعيدًا عن نشرات الطقس العالمية، بل صار واقعًا يوميًا يهدد أهم سلة غذاء في مصر: دلتا النيل.
دلتا هشة في وجه مناخ متقلب
تمتاز دلتا النيل بتربتها الخصبة وموقعها الاستراتيجي، لكنها أيضًا من أكثر المناطق هشاشة في مواجهة التغيرات المناخية. تقارير الهيئة العامة للأرصاد الجوية تؤكد أن درجات الحرارة في شمال الدلتا ارتفعت بمعدل 1.5 درجة مئوية خلال العقدين الأخيرين، ما أثّر على مواعيد الزراعة، وفترات الإزهار، بل ونسبة الإنبات نفسها.
يقول الدكتور أحمد شوقي، الباحث في مركز بحوث المناخ الزراعي: "هناك تراجع ملحوظ في إنتاجية الأرز والقمح، ليس فقط بسبب نقص المياه، ولكن أيضًا بسبب الإجهاد الحراري على النبات."
الملوحة تزحف والحرارة تخنق
واحدة من أبرز المشاكل التي يواجهها المزارعون الآن هي زحف الملوحة، خاصة في المناطق القريبة من البحر المتوسط. ومع ارتفاع مستوى سطح البحر، تتسرب المياه المالحة إلى التربة والمياه الجوفية، مما يقلل من خصوبتها ويضر بالمحاصيل الحساسة.
يقول الحاج عبد الرازق، مزارع من قرية سنهور بدسوق: "الأرض كانت بتدينا 20 أردب أرز، دلوقتي بنشقى علشان نطلع 12. المياه بقت قليلة، والجو قلب نار."
محاولات للتكيف: بين الواقع والبحث العلمي
لم تقف الدولة مكتوفة الأيدي. وزارة الزراعة بدأت منذ سنوات في دعم التوسع في زراعة أصناف تقاوي أكثر تحملاً للجفاف والحرارة، خاصة في محصولي القمح والأرز. كما تعمل برامج الري الحديث على تقليل الفاقد من المياه.
لكن الدكتور منى السعيد، خبيرة السياسات الزراعية، تؤكد أن: "المشكلة ليست في نقص الحلول، بل في بطء تطبيقها، وضعف التوعية بين صغار المزارعين."
عين على الفلاح: شهادات من الأرض
في جولة سريعة بين قرى الدلتا، تتكرر الشكاوى: "بقينا نحسب حساب كل متر ميه، ولا يوجد مسؤول يرشدنا ماذا نزرع؟"
"الزرع بيتلف بسرعة، خصوصًا الطماطم والفلفل، والأرز لا ينتج كما اعتدنا."
تُظهر هذه الشهادات أن هناك فجوة بين السياسات الرسمية وبين احتياجات المزارعين اليومية، ما يجعل التغير المناخي ليس مجرد خطر بيئي، بل تهديد مباشر للأمن الغذائي المصري.
في ظل ما تشهده الدلتا من تقلبات مناخية، تبدو الحاجة ملحّة لإعادة التفكير في نموذج الزراعة الحالي، ليس فقط على مستوى التكنولوجيا، بل على مستوى الإدارة، والتدريب، والتواصل مع المجتمع الزراعي.