”الأرض” تكشف تدمير التربة بـ”البذور” السامة.. و”الزراعة” تتهم الفلاحين بإتلاف المحصول
"مافيا" شركات استيراد تقاوى "البطاطس المسرطنة"
فلاحو البحيرة: تعفن 80% من البطاطس بعد زراعتها بـ 15 يوما
"الزراعة" تسمح باستيراد 7 ملايين بذرة "بروكولي" غير مسجلة
الحجر الزراعي: ضبط 500 طن تقاوى بطاطس مصابة بـ"العفن البنى"
شعبان بلال
كانت واقعة تقاوي البطاطس الفاسدة، التي أثارها مزارعو "طحلة"، التابعة لمركز بنها في محافظة الدقهلية، بداية لكشفت مافيا لشركات مصرية وأجنبية تستورد تقاوي وحبوب فاسدة، وهو ما كشفته محاضر وبلاغات رسمية لعدد من المسئولين والفلاحين، طالبوا خلالها بوقف التعامل مع عدد من الشركات، بسبب استيرادها تقاوي وحبوب غير مطابقة للمواصفات وطبيعة المناخ والأرض المصرية.
"الأرض" تكشف، في هذا التحقيق، مجموعة من شركات الاستيراد المصرية والأجنبية، والتي يتهمها عدد من ممثلي الفلاحين والمزارعين ببيع تقاوي وحبوب فاسدة تضر بالصحة العامة للمصريين، وتدمر الزراعة المصرية لتقليلها جودة الأراضي التي تزرع فيها.
أولى هذه الشركات، وفقا للبلاغات والمحاضر، شركة "الدمياطي للاستيراد والتصدير"، والتي تتعامل مع أربع شركات أجنبية هي "ماير" في هولندا، و"أي بي إم" في أيرلندا، و"دانسبو" في الدنمارك، و"إيلورن بلانت" في فرنسا، والتي اتهمها مزارعو قرية التوفيقية بمركز إيتاي البارود في محافظة البحيرة، ببيع تقاوي بطاطس فاسدة تعفنت بعد أيام من زراعتها في أراضيهم.
يقول إبراهيم أحمد، مزارع خمسيني من إيتاي البارود، إنه فوجئ، ومزارعو القرية، بتعفن 80% من تقاوي البطاطس بعد زراعتها بـ 15 يوما، موضحاً أنه اشتراها من أحد التجار المتعاملين مع شركة الدمياطي للاستيراد والتصدير، مؤكدا أن هؤلاء التجار لا يملكون سجلا تجاريا أو بطاقة ضريبة، تسيطر هذه الشركة على مناطق واسعة في المحافظة، إضافة إلى كفر الزيات وطنطا في الغربية.
وأكد "أحمد"، أنه وفلاحو قريته اشتروا 5 أطنان من تقاوي البطاطس من نفس التاجر ونفس الشركة المستوردة، وعقب اكتشاف فساد التقاوي حرروا محاضر في قسم الشرطة، وتم انتداب لجنة من الإدارة الزراعية لإجراء معاينة للأرض، وأكدت وجود نسبة كبيرة من التعفن بالتقاوي وعدم صلاحيتها للإنبات، وتم إحالة المحاضر والمعاينات للنيابة العامة، إلا أنهم فوجئوا بحفظ المحاضر دون اتخاذ إجراء، وعندما رفع الفلاحون دعاوى تعويض كانت النتيجة برفض تلك الدعاوى، ما أدى إلى تكبدهم خسائر فادحة، على حد قوله.
وأضاف أنور إبراهيم، فلاح ستيني، وهو أحد أصحاب الأراضي المتضررين من التقاوي الفاسدة، أنهم حرروا محضرا جماعيا بأسماء 6 من أصحاب الأراضي المتضررين، برقم 981 بتاريخ 14 يناير 2016 إداري مركز طنطا، ضد كل من مصطفي البحيري وسامي الحلواني ومحمود فريد تجار التقاوي الذي اشتروا منهم، ومحمد الدمياطي رئيس مجلس إدارة مجموعات شركات الدمياطي للاستيراد والتصدير، تلك الشركة التي استوردت التقاوي الفاسدة من الخارج، وضد وزير الزراعة بصفته وإدارتي الحجر الزراعي واعتماد التقاوي، كما قدموا شكوي تحمل رقم 162 بتاريخ 14 يناير 2016 لمحافظ الغربية للتحقيق في الواقعة.
واشتكي الفلاحون المتضررون لـ"الأرض"، من تعرضهم لخسائر فادحة بسبب فساد التقاوى وضياع المحصول، متهمين الأجهزة التنفيذية بوزارة الزراعة بالفساد، لأنها مسئولة عن فحص واعتماد البطاطس المستوردة، وتحديدا إدارة الحجر الزراعي، مؤكدين أن مجموعات شركات الدمياطي للاستيراد والتصدير المسئول الأول عما حدث.
وأضاف الفلاحون، أن شركة الدمياطي المستوردة انتدبت وكيل الشركة المصدرة لإجراء معاينة للأراضي على الطبيعة، حتي تطلب تعويضا من الشركة ونحن الخاسر الوحيد من هذه الصفقة المشبوهة التي تسببت في بوار 10 أفدنة علي الاقل من أراضيهم وانهاكها بعد أن انتقل إليها المرض من التقاوي المسرطنة .
ووفقاً للمحاضر الرسمية، ثاني هذه الشركات هي "أبو الباشا"، التي تتعامل مع شركة هولندية، هذه الشركة كانت سببا رئيسيا في تدمير أراضي فلاحي "طحلة"، الذين اشتروا تقاوي البطاطس الصيفي من الجمعية الزراعية بالقرية، التابعة للإدارة الزراعية ببنها، وعند زراعتها فوجئوا بأنها تالفة، نتيجة إصابتها بـ"عفن البن"، أو ما يطلق عليه الفلاحون "سرطان التقاوي"، الذي يدمر التربة لمدة 5 سنوات، ولا تصلح لأي زراعة بعد ذلك، ومعالجتها تتم بطريقة واحدة عن طريق تجريف 60 سم من التربة، الأمر الذي يتطلب عدة سنوات، حيث تم صرف 450 طن تقاوي فاسدة، أسفر عن تلف تربة 600 فدان.
وبحسب المحضر رقم 6090 اتهم المزارعون الجمعية الزراعية بالفساد والتسبب في تدمير محصول البطاطس لمدة أربع سنوات مقبلة، وهناك تقارير من اللجان أكدت فساد البطاطس وأنها مسرطنة، مشيرة إلى أن هناك صفقة غير مشروعة تم خلالها استيراد بطاطس فاسدة، وأن مسئولي الجمعية الزراعية في طحلة اصطحبوا أعضاء لجنة شركة "أبو باشا" والمسئولة عن استيراد التقاوي، وأن أصحاب الشركة ساوموهم للحصول على مبالغ مالية مقابل الصمت على فساد التقاوي والتستر على الجريمة.
أما الشركة الثالثة فكشفها بلاغ للنائب العام، تقدم به نقيب الفلاحين والمنتجين الزراعيين فريد واصل، مطالبا بالتحقيق مع المسئولين عن استيراد صفقة قمح من فرنسا، لصالح شركة روجينا للصناعات الغذائية منتصف يونيو الماضي، بمعرفة وزارة التموين والتجارة الداخلية، حجمها 2300 طن، متهما المسئولين بالتلاعب في نتائج التحاليل الخاصة بشحنة القمح، فتم تشكيل لجنة من مهندسي الحجر الزراعي لإتمام إجراءات الفحص، وسحب عينة تحت رقم 1158/1، وإرسالها إلى معهد أمراض النبات بمركز البحوث الزراعية.
وأضاف "واصل"، في بلاغه للنائب العام، أنه وردت نتيجتان متضاربتان بتاريخ 16/6/2015، تفيد خلو العينة من الأمراض الفطرية الممنوعة، وهو ما ترتب عليه تفريغ الشحنة والإفراج عنها طبقا للقوانين والتشريعات، لافتا إلى أنه صدرت نتيجة أخرى، بتاريخ 6/2015، تفيد بأن العينة مصابة بفطر الأجورت وهو من الفطريات الممنوعة حجريا والواردة بجدول الفحص الزراعي جدول بالقرار 2007 لسنة 2001، وهو ما يعرض حياة المواطنين للخطر، مشددا على أن ما حدث "جريمة في حق الشعب المصري"، وهى جريمة تمس أمن البلاد والوطن ولا ينبغي السكوت عنها أبدا.
وقبل أيام قليلة، وافقت وزارة الزراعة، ممثلة في إدارة الحجر الزراعي، على منح شركة "جعارة"، التي يمتلكها محمد فريد جعارة وشركاه، علي استيراد 7 ملايين بذرة تقاوي بروكولي، غير مسجلة ضمن قائمة وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي الخاصة بالتقاوي المسموح بدخولها البلاد.
وقال مصدر مسئول في معهد البساتين بوزارة الزراعة، إن هناك أكثر من 300 شركة، عبارة عن توكيلات لشركات أجنبية من "إسرائيل وأمريكا والصين والهند وهولندا"، مقدرا تكلفة استيراد تقاوي الخضار من خارج بحوالي مليار ونصف دولار سنويا، رغم قدرة إنتاج الوزارة لأصناف هجن ذات جودة عالية، إلا أن المستورد يفضل الاستيراد عن المحلي لأنها تحقق له مكاسب أعلى.
وأكد المصدر، في تصريح لـ"الأرض"، أن هذه الشركات تبيع التقاوي والهجن بأسعار مبالغ فيها، وأن كل عام ترفع هذه الشركات أسعارها، لافتاً إلى أن منتجات المعهد تتفوق على الأجنبي من ناحية مقاومة الأمراض ودرجات الحرارة العالية، ومكافحة الآفات والفيروسات، إضافة إلى أن الأسعار أقل من المستورد.
من جهته أكد الدكتور عصام فايد، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، إرسال وفد من الوزارة إلى هولندا للاطلاع على نظم وإجراءات الحجر الزراعي هناك، وتفقد محطات تصدير تقاوى البطاطس للتأكد من صحة إجراءات الاستيراد وخلو التقاوي المستوردة من أي أمراض حجرية غير موجودة بالبيئة المصرية.
وكشف تقرير لوزارة الزراعة، حصلت "الأرض" على نسخة منه، أن نسبة الفاقد في محصول القمح وصلت إلى 20%، بسبب رداءة أصناف التقاوي، وكذلك نسبة الفاقد في محصول الشعير، بلغت من 5 إلى 7%، وفي محصول الأرز تراوحت نسبة الفاقد ما بين 5 إلى 12%، وفقا للصنف المنزرع.
وقال سعد موسى رئيس الإدارة المركزية للحجر الزراعي، في تصريحات لـ"الأرض"، إنه تم رفض العديد من الشحنات غير المطابقة للمواصفات، فضلا عن ضبط أكثر من 500 طن لإصابتها بأمراض العفن البنى والندوات والجرب الشبكي وغيره، مؤكدا رفضه أي شحنات مصابة بأي أمراض لأي تقاوي أو بذور..
وأشار المهندس محمود فوزي، رئيس الإدارة المركزية للبساتين في وزارة الزراعة، إلى أن التحليلات الأولية لعينات تقاوي البطاطس، التي ادعى مزارعو بنها بمحافظة القليوبية، أنها مسرطنة وفاسدة، أظهرت سلامة التقاوي وعدم وجود أي أمراض بها".
وأضاف رئيس الإدارة المركزية للبساتين، في تصريح لـ"الأرض"، أن فساد التقاوي نتج عن الاستعمال الخاطئ لها من قبل المزارعين، موضحا أنهم قطعوها أجزاء متعددة، بالإضافة إلى زراعتها في أرض رطبة، مشيراً إلى استمرار عمليات فحص وتحليل عينات تقاوي البطاطس للتأكد من سلامتها بصورة كاملة.
من جهته كلّف الدكتور عصام فايد، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، قطاع الخدمات الزراعية والمتابعة ومركز البحوث الزراعية بتشكيل لجنة مشتركة لبحث شكاوى مزارعي البطاطس بطحلة في محافظة القليوبية.
وكشف تقرير اللجنة الفنية المشكلة من وزارة الزراعة ومركز البحوث الزراعية عن خلو تقاوي البطاطس المستوردة من الأعفان، مؤكدا أن عملية تجهيز قطع التقاوى تمت بطريقة خاطئة، من ناحية عدم وجود براعم فى بعض القطع، ووجود عين واحدة فقط على بعض قطع التقاوى الأخرى، بالإضافة إلى صغر وزن وحجم القطع.
وقالت اللجنة في تقريرها إنه لم يتم فرد هذه القطع فى أماكن بعيدة عن التيارات الهوائية الشديدة وأشعة الشمس، ما أدى إلى عدم تكون الطبقة الفلينية بسرعة وظهور فطريات سوداء اللون على سطح قطع التقاوي.
كما كشفت اللجنة عن وجود بعض قطع التقاوي المخزونة منذ فترة تزيد عن 10 أيام وبها عفن جاف، ما أدى إلى ظهور بعض البقع السطحية بالعفن الطري على سطح قطع التقاوي، وبزيادة الرطوبة فى الأجولة الخاصة التى تم التخزين بها.
وأوضح التقرير أن المزارعين لم يستخدموا المطهرات الفطرية الموصى بها من قبل وزارة الزراعة لتطهير قطع التقاوي حتى لا تصاب بأى مسببات مرضية أو فطرية.