الأرض
الجمعة 22 نوفمبر 2024 مـ 11:12 صـ 21 جمادى أول 1446 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

كارثة.. مصر تستورد «هجن وتقاوى» بـ1.5 مليار دولار سنوياً

أرشيفية
أرشيفية

أباطرة الاستيراد يحتكرون أسواق التقاوى لتدمير الأصناف المحلية

معهد البساتين: قادرون على إنتاج أصناف جيدة أكثر مقاومة للأمراض.. وينقصنا التمويل

خبير: لا توجد سياسة زراعية فى مصر.. والاستيراد يدمر التقاوى بعد موسم واحد

 

شعبان بلال

«من لا يملك غذاءه لا يملك حريته واستقلاله».. مقولة شهيرة تسعى جميع دول العالم للعمل بها في نظامها الداخلي، باعتبار أن الأمن الغذائي أهم العوامل التي تحدد مصير الشعوب.

ولكن في مصر الوضع مختلف، بالرغم مما تملكه من إمكانيات تؤهلها لتصدر قائمة دول العالم في الإنتاج الغذائي، حيث تمتلك الأرض والماء والأيدي العاملة والباحثين في مختلف المجالات، وتفاجأ بالواقع الأليم يظهر عكس ذلك، حيث تستورد مصر تقاوي وبذور وهجن جديدة بما يزيد عن مليار ونصف المليار دولار سنوياً؛ بسبب ضعف منظومة الهندسة الوراثية، واستنباط هجن جديدة، كان بعضها مخالفاً للمواصفات وتالفاً في كثير من الأحيان، وأحيان أخرى يكون غير مناسب لطبيعة الأرض المصرية.

"الأرض" تكشف الغطاء عن منظومة التقاوي المستوردة، وآثارها على الاقتصاد المصري والزراعة المصرية، وتجيب عن العديد من التساؤلات في هذا الحقل، منها لماذا لم تستطع جهات البحث المصرية، المتخصصة في التقاوي، تطوير وإنتاج التقاوي واستنباط هجن جديدة، وما هي مصالح شركات الاستيراد في محاربة استنباط الهجن الجديدة في مصر، وأحدث البيانات الخاصة باستيراد البذور في مصر، وأبرز الأصناف الجديدة للخضروات؟.

هذه العملية، يصفها الخبراء بأنها تجارة واسعة يديرها أباطرة الاستيراد، تبلغ إيراداتها سنوياً ما يزيد عن المليار ونصف المليار دولار، يسيطر عليها أباطرة من رجال الأعمال وأصحاب شركات الاستيراد والتصدير، العاملين في مجال الهجن والتقاوي الزراعية.

في جلسة مع مسؤولين بالإدارة المركزية للبساتين في وزارة الزراعة، أكدوا أن الوزارة ليس لديها أي أصناف مسجلة للفاكهة، وأن ما تمتلكه مجموعة من الأصناف والهجن فقط لبعض محاصيل الخضر، موضحين أن هناك شركات خاصة تمتلك أصناف الفاكهة وتزرعها، وتمنع تداولها خارج حدودها، وهو ما أكده أيضاً الدكتور سيد جمعة الأستاذ بمعهد بحوث البساتين.

من جهته أكد الدكتور محمد محمود، مدير معهد البساتين في وزارة الزراعة، أن إدارة إنتاج التقاوي بالمعهد تواجه العديد من الصعوبات في إنتاج تقاوي وهجن جديدة، وعلى الرغم من ذلك فإن هناك تطوراً مذهلاً في عملية إنتاج التقاوي، بمجهود الباحثين والخبراء.

وقال "محمود"، في تصريح لـ"الأرض"، إن أبرز المعوقات التي تواجه المعهد في هذا الجانب هي ضعف التمويل الذي توفره الدولة لإجراء الأبحاث، كما أن تخصيص معهد لإنتاج التقاوي بدأ في وقت متأخر، حيث بدأت التجارب عام 2004، وفي السابق كانت الأبحاث تجرى في الأقسام، لافتاً إلى أن إنتاج الهجن الجديدة والتقاوي يحتاج وقتاً يتراوح من  5 إلى 10 سنوات على الأقل، وكان البديل الاستيراد من الخارج.

وأضاف مدير معهد البساتين، أن الفجوة كبيرة بين ما ينتجه المعهد، على قدر الإمكانيات المتوفرة والتمويل المتاح، وبين المستورد من التقاوي والهجن، لأن مصر تزرع مساحة كبيرة جداً من الخضر سنوياً، وبالتالي تحتاج إلى تقاوي كثيرة، لا يستطيع المعهد بحالته تلك على تغطيتها، مشيرا إلى أن ما ننتجه من تقاوي وهجن لا يستطيع منافسة المستورد من الخارج، إلا أنه قريب منه، ويتميز بمقاومته للجفاف والفيروسات ودرجات الحرارة العالية، فضلاً عن إنتاج هجن قوية، ومنها بعض أصول الخيار والكنتالوب القادرة على مواجهة الملوحة في الأراضي المستصلحة، وهو ما يحتاجه المزارع في التقاوي، مشدداً على أن عدم توافر الإمكانيات السبب الرئيسي.

وأكد "محمود" أننا لدينا اكتفاء ذاتي في محاصيل الخضر، حيث ننتج ما يقرب من 8 ملايين طن سنوياً من الطماطم، و4 ملايين فلفل وخيار، و2 مليون عنب، وغيرها، ولكن إنتاج التقاوي هو البداية لامتلاك كل شيء، حتى لا نقع فريسة لمافيا المستوردين والاستثمار في هذه الصناعة والتي تصل مكاسبها إلى عشرات الأضعاف.

وأوضح مدير معهد البساتين، أنه سيتم تخصيص مساحات لا بأس بها للمعهد في مشروع الـ1.5 مليون فدان بمختلف المناطق على مستوى الجمهورية، لإجراء التجارب والأبحاث واستنباط هجن جديدة، بالتعاون مع ممولين من القطاع الخاص ومستثمرين لتمويل هذه المشروعات وتوفير مستلزمات العمل والإنتاج، والصوب وغيرها، على أن يشارك المعهد بالخبرات الفنية والباحثين.

بينما قدرت الدكتورة محاسن عبد الحكيم، أستاذ تربية الخضر في قسم بحوث تربية الخضر بمعهد بحوث البساتين، تكلفة استيراد تقاوي الخضار من الخارج بحوالي 1.5 مليار دولار سنوياً، بالرغم من قدرة المعهد على إنتاج أصناف هجن ذات جودة عالية، إلا أن البعض يفضل الاستيراد على المحلي لأنها تحقق له مكاسب أعلى.

وطالبت "عبد الحكيم"، في تصريح لـ"الأرض"، بإعطاء فرصة للمراكز البحثية لإنتاج أصناف جديدة، لافتة إلى أن تكلفة إنتاج صنف جديد تصل إلى ملايين الجنيهات وتستغرق عدة سنوات.

وقسمت الخضر إلى مجموعتين أساسيتين، وهما مجموعة الباذنجانيات "الطماطم- الفلفل- الباذنجان"، والقرعيات "البطيخ- الكوسة- الخيار"، إضافة إلى أصناف ليست هجنا وهي "الفاصوليا- البسلة- اللوبيا".

وأكدت "عبد الحكيم" أن الدكتور أشرف العربي، وزير التخطيط، قرر تخفيض ميزانية مشروع تطوير محاصيل الخضار الرئيسية بنسبة 90%، هذا العام، والأمر الذي يعتبر "كارثة حقيقة"، وصدمة بجميع المقاييس، قائلة، "بعد أن عرف المزارعون، من أسوان للعريش، منتجاتنا وبدأوا الإقبال عليها، حتى دول الكوميسا كانت تستورد منا التقاوي والهجن، ولم يعد ذلك الآن متاحا".

واستنكرت  أستاذ تربية الخضر قرار وزير التخطيط، متسائلة، على أي أساس يتم إصداره؟ ولمصلحة من؟، بالإضافة إلى أن وزارة المالية تمول المعهد بـ10% تم تخصيصها للمباني والإنشاءات، مؤكدة أن المعهد لا نريد مباني ولا إنشاءات، إنما يحتاج مستلزمات إنتاج لإجراء التجارب.

وأشارت "عبد الكريم" إلى وجود أكثر من 300 شركة، عبارة عن توكيلات لشركات أجنبية، من دول إسرائيل وأمريكا والصين والهند وهولندا، مؤكدة أن هذه الشركات تبيع التقاوي بأسعار باهظة ومبالغ فيها، فضلا عن رفع أسعارها كل عام، لافتة إلى أن منتجات المعهد تتفوق على هذه المنتجات الأجنبية من ناحية مقاومة الأمراض ودرجات الحرارة العالية، ومكافحة الآفات والفيروسات، إضافة إلى أن الأسعار أقل من المستورد.

 أما بالنسبة للطماطم، قالت "عبد الحكيم"، إنه تم استنباط أنواع جديدة من الهجن، هي "أجياد 16"، وهو هجين يتحمل درجة الحرارة المرتفعة، و"أجياد 7"، الذي يتحمل الفيروسات. وبالنسبة للبطيخ هناك هجين "كنوز" الذي يتفوق على الأجنبي في المحصول والطعم، ومقاومة الأمراض الموجودة في التربة، كما يتفوق على الهجين الأجنبي "أسوان".

وفيما يخص "الكنتالوب"، هناك هجين متفوق على الأجنبي الذي يطلق عليه "جاليه"، وكذلك "السي 8"، في الطعم والشبكية والمحصول وقوة تخزينه، بينما الخيار يوجد هجين "إشراق" للأرض المكشوفة، ومحصوله يكون على شكل عناقيد، أي 3 ثمرات في العنقود الواحد، وتصل إلى 4 في بعض الأحيان، ويتميز بالزيادة في المحصول والتجانس، على عكس الأجنبي الذي يوجد به ثمرة واحدة، وهجين آخر يسمى "الصفا" للزراعة في الصوب.

بينما يوجد عدة هجن للفلفل، منها الملون ويشمل اليسر "1، 3، 4"، والحريف "قطوف 1، و2"، و"قطوف 26"، وهي 3 هجن صالحة للتصدير، ومصرية تماماً، وبالنسبة لـ"الكوسة" هناك هجين "تبارك" وهو من الأنواع الممتازة ويتميز بلونه الأخضر الفاتح، وتحمله الأمراض، أما بالنسبة للأنصاف وليست الهجن، وهي الفاصوليا واللوبيا والبسلة، فيتم بيعها كأصناف وليس هجن.

وأكدت أستاذ تربية الخضر، أن أسعار التقاوي والهجن الأجنبية تزيد للضعف عن المصرية، فمثلا، أسعار الفلفل يباع بـ 30 قرشا للجرام، بينما الشركات الأجنبية تبيعه بالذرة بـ8 قروش، وكذلك البطيخ الجرام يباع بـ 4حنيهات، والمستورد بـ 6 و 7 جنيهات، مع أن فارق الجودة الذي يصب في صالح المنتج المصري.

وفي السياق ذاته، أكد الدكتور جمال صيام، أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة، أن استنباط هجن جديدة مرتبط بالتكنولوجيا العلمية الحديثة، التي تساهم في ذلك، ولكن مصر لا يوجد بها أدنى اهتمام بالبحث العلمي، قائلا، "حتى ميزانية مركز البحوث الزراعية لا تكفي إلا لتوفير بنزين وسولار لسيارات المركز، وليس لإجراء بحوث علمية".

 وأضاف "صيام"، في تصريح لـ"الأرض"، أن السياسة الزراعية التي تنهجها الدولة لا تصلح لمنظومة زراعية حديثة، يتم فيها إنتاج محلي للبذور والتقاوي، وهذا هو التخلف بعينه، عندما نستورد بذور وتقاوي بملايين الدولارات.

 وأشار أستاذ الاقتصاد الزراعي إلى أن البحث العلمي في مصر "صفر"، على الرغم من أن الدستور حدد حصول البحث العلمي على 4% من الناتج المحلي الإجمالي، مؤكدا أن تجاهل مواد الدستور جعل مصر تستورد كامل غذائها من الخارج، موضحا أن احتكار الشركات لصناعة البذور والتقاوي في العالم، وعلى رأسها الشركات الإسرائيلية التي تملك فروعا في جميع دول العالم، وتحقق مكاسب بمليارات الدولارات.

 وأكد "صيام" أن البذور والتقاوي التي تصدرها وتوزعها الشركات لا تصلح للزراعة إلا لعام واحد أو موسم واحد، وبعدها تفقد القدرات الإنتاجية والمميزات الخاصة بها، أي يتم تدمير الصنف بعد موسم واحد من الزراعة.

 من جهته قال الدكتور تيمور نصر الدين، أستاذ الهندسة الوراثية ومدير معهد البحوث الوراثية السابق، إن هناك مشروع قانون جديداً في معهد الهندسة الوراثية، سيتم عرضه على البرلمان المقبل، لاستنباط هجن وأصناف جديدة لخدمة الفلاح.

 وأضاف "نصر الدين"، في تصريح لـ"الأرض"، أن هدف القانون هو التحكم في النباتات المهندسة وراثياً، سواء من الإنتاج المحلي أو من الاستيراد، لأن مصر تعتمد على استيراد معظم المحاصيل من الخارج، لذلك لابد من وجود قانون، مشيرا إلى أن المعهد يهدف إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية، أولها محاولة نقل التكنولوجيا الموجودة في الخارج إلى مركز البحوث الزراعية، وإنشاء مجال علمي للمتخصصين والعلماء المصريين، بالتدريج، سواء في مصر أو إرسال بعثات للخارج، وأخيراً حل بعض مشكال الزراعة المصرية.

وأوضح أستاذ الهندسة الوراثية أن هناك اهتماما خاصا باستنباط هجن جديدة لمحصول الذرة، لإصابتها بالعديد من الآفات، قائلا،"أوجدنا العديد من الأصناف الجديد، وهناك شغل على البطاطس، لموجهة درنات البطاطس، وهناك العديد من المحاصيل نعمل عليها، من خلال الأمان الحيوي، في المعاهد أو في الكليات التي تعمل في هذا المجال".

 أباطرة الاستيراد يحتكرون أسواق التقاوى لتدمير الأصناف المحلية

كارثة.. مصر تستورد «هجن وتقاوى» بـ1.5 مليار دولار سنوياً

معهد البساتين: قادرون على إنتاج أصناف جيدة أكثر مقاومة للأمراض.. وينقصنا التمويل

خبير: لا توجد سياسة زراعية فى مصر.. والاستيراد يدمر التقاوى بعد موسم واحد

 

شعبان بلال

«من لا يملك غذاءه لا يملك حريته واستقلاله».. مقولة شهيرة تسعى جميع دول العالم للعمل بها في نظامها الداخلي، باعتبار أن الأمن الغذائي أهم العوامل التي تحدد مصير الشعوب.

ولكن في مصر الوضع مختلف، بالرغم مما تملكه من إمكانيات تؤهلها لتصدر قائمة دول العالم في الإنتاج الغذائي، حيث تمتلك الأرض والماء والأيدي العاملة والباحثين في مختلف المجالات، وتفاجأ بالواقع الأليم يظهر عكس ذلك، حيث تستورد مصر تقاوي وبذور وهجن جديدة بما يزيد عن مليار ونصف المليار دولار سنوياً؛ بسبب ضعف منظومة الهندسة الوراثية، واستنباط هجن جديدة، كان بعضها مخالفاً للمواصفات وتالفاً في كثير من الأحيان، وأحيان أخرى يكون غير مناسب لطبيعة الأرض المصرية.

"الأرض" تكشف الغطاء عن منظومة التقاوي المستوردة، وآثارها على الاقتصاد المصري والزراعة المصرية، وتجيب عن العديد من التساؤلات في هذا الحقل، منها لماذا لم تستطع جهات البحث المصرية، المتخصصة في التقاوي، تطوير وإنتاج التقاوي واستنباط هجن جديدة، وما هي مصالح شركات الاستيراد في محاربة استنباط الهجن الجديدة في مصر، وأحدث البيانات الخاصة باستيراد البذور في مصر، وأبرز الأصناف الجديدة للخضروات؟.

هذه العملية، يصفها الخبراء بأنها تجارة واسعة يديرها أباطرة الاستيراد، تبلغ إيراداتها سنوياً ما يزيد عن المليار ونصف المليار دولار، يسيطر عليها أباطرة من رجال الأعمال وأصحاب شركات الاستيراد والتصدير، العاملين في مجال الهجن والتقاوي الزراعية.

في جلسة مع مسؤولين بالإدارة المركزية للبساتين في وزارة الزراعة، أكدوا أن الوزارة ليس لديها أي أصناف مسجلة للفاكهة، وأن ما تمتلكه مجموعة من الأصناف والهجن فقط لبعض محاصيل الخضر، موضحين أن هناك شركات خاصة تمتلك أصناف الفاكهة وتزرعها، وتمنع تداولها خارج حدودها، وهو ما أكده أيضاً الدكتور سيد جمعة الأستاذ بمعهد بحوث البساتين.

من جهته أكد الدكتور محمد محمود، مدير معهد البساتين في وزارة الزراعة، أن إدارة إنتاج التقاوي بالمعهد تواجه العديد من الصعوبات في إنتاج تقاوي وهجن جديدة، وعلى الرغم من ذلك فإن هناك تطوراً مذهلاً في عملية إنتاج التقاوي، بمجهود الباحثين والخبراء.

وقال "محمود"، في تصريح لـ"الأرض"، إن أبرز المعوقات التي تواجه المعهد في هذا الجانب هي ضعف التمويل الذي توفره الدولة لإجراء الأبحاث، كما أن تخصيص معهد لإنتاج التقاوي بدأ في وقت متأخر، حيث بدأت التجارب عام 2004، وفي السابق كانت الأبحاث تجرى في الأقسام، لافتاً إلى أن إنتاج الهجن الجديدة والتقاوي يحتاج وقتاً يتراوح من  5 إلى 10 سنوات على الأقل، وكان البديل الاستيراد من الخارج.

وأضاف مدير معهد البساتين، أن الفجوة كبيرة بين ما ينتجه المعهد، على قدر الإمكانيات المتوفرة والتمويل المتاح، وبين المستورد من التقاوي والهجن، لأن مصر تزرع مساحة كبيرة جداً من الخضر سنوياً، وبالتالي تحتاج إلى تقاوي كثيرة، لا يستطيع المعهد بحالته تلك على تغطيتها، مشيرا إلى أن ما ننتجه من تقاوي وهجن لا يستطيع منافسة المستورد من الخارج، إلا أنه قريب منه، ويتميز بمقاومته للجفاف والفيروسات ودرجات الحرارة العالية، فضلاً عن إنتاج هجن قوية، ومنها بعض أصول الخيار والكنتالوب القادرة على مواجهة الملوحة في الأراضي المستصلحة، وهو ما يحتاجه المزارع في التقاوي، مشدداً على أن عدم توافر الإمكانيات السبب الرئيسي.

وأكد "محمود" أننا لدينا اكتفاء ذاتي في محاصيل الخضر، حيث ننتج ما يقرب من 8 ملايين طن سنوياً من الطماطم، و4 ملايين فلفل وخيار، و2 مليون عنب، وغيرها، ولكن إنتاج التقاوي هو البداية لامتلاك كل شيء، حتى لا نقع فريسة لمافيا المستوردين والاستثمار في هذه الصناعة والتي تصل مكاسبها إلى عشرات الأضعاف.

وأوضح مدير معهد البساتين، أنه سيتم تخصيص مساحات لا بأس بها للمعهد في مشروع الـ1.5 مليون فدان بمختلف المناطق على مستوى الجمهورية، لإجراء التجارب والأبحاث واستنباط هجن جديدة، بالتعاون مع ممولين من القطاع الخاص ومستثمرين لتمويل هذه المشروعات وتوفير مستلزمات العمل والإنتاج، والصوب وغيرها، على أن يشارك المعهد بالخبرات الفنية والباحثين.

بينما قدرت الدكتورة محاسن عبد الحكيم، أستاذ تربية الخضر في قسم بحوث تربية الخضر بمعهد بحوث البساتين، تكلفة استيراد تقاوي الخضار من الخارج بحوالي 1.5 مليار دولار سنوياً، بالرغم من قدرة المعهد على إنتاج أصناف هجن ذات جودة عالية، إلا أن البعض يفضل الاستيراد على المحلي لأنها تحقق له مكاسب أعلى.

وطالبت "عبد الحكيم"، في تصريح لـ"الأرض"، بإعطاء فرصة للمراكز البحثية لإنتاج أصناف جديدة، لافتة إلى أن تكلفة إنتاج صنف جديد تصل إلى ملايين الجنيهات وتستغرق عدة سنوات.

وقسمت الخضر إلى مجموعتين أساسيتين، وهما مجموعة الباذنجانيات "الطماطم- الفلفل- الباذنجان"، والقرعيات "البطيخ- الكوسة- الخيار"، إضافة إلى أصناف ليست هجنا وهي "الفاصوليا- البسلة- اللوبيا".

وأكدت "عبد الحكيم" أن الدكتور أشرف العربي، وزير التخطيط، قرر تخفيض ميزانية مشروع تطوير محاصيل الخضار الرئيسية بنسبة 90%، هذا العام، والأمر الذي يعتبر "كارثة حقيقة"، وصدمة بجميع المقاييس، قائلة، "بعد أن عرف المزارعون، من أسوان للعريش، منتجاتنا وبدأوا الإقبال عليها، حتى دول الكوميسا كانت تستورد منا التقاوي والهجن، ولم يعد ذلك الآن متاحا".

واستنكرت  أستاذ تربية الخضر قرار وزير التخطيط، متسائلة، على أي أساس يتم إصداره؟ ولمصلحة من؟، بالإضافة إلى أن وزارة المالية تمول المعهد بـ10% تم تخصيصها للمباني والإنشاءات، مؤكدة أن المعهد لا نريد مباني ولا إنشاءات، إنما يحتاج مستلزمات إنتاج لإجراء التجارب.

وأشارت "عبد الكريم" إلى وجود أكثر من 300 شركة، عبارة عن توكيلات لشركات أجنبية، من دول إسرائيل وأمريكا والصين والهند وهولندا، مؤكدة أن هذه الشركات تبيع التقاوي بأسعار باهظة ومبالغ فيها، فضلا عن رفع أسعارها كل عام، لافتة إلى أن منتجات المعهد تتفوق على هذه المنتجات الأجنبية من ناحية مقاومة الأمراض ودرجات الحرارة العالية، ومكافحة الآفات والفيروسات، إضافة إلى أن الأسعار أقل من المستورد.

 أما بالنسبة للطماطم، قالت "عبد الحكيم"، إنه تم استنباط أنواع جديدة من الهجن، هي "أجياد 16"، وهو هجين يتحمل درجة الحرارة المرتفعة، و"أجياد 7"، الذي يتحمل الفيروسات. وبالنسبة للبطيخ هناك هجين "كنوز" الذي يتفوق على الأجنبي في المحصول والطعم، ومقاومة الأمراض الموجودة في التربة، كما يتفوق على الهجين الأجنبي "أسوان".

وفيما يخص "الكنتالوب"، هناك هجين متفوق على الأجنبي الذي يطلق عليه "جاليه"، وكذلك "السي 8"، في الطعم والشبكية والمحصول وقوة تخزينه، بينما الخيار يوجد هجين "إشراق" للأرض المكشوفة، ومحصوله يكون على شكل عناقيد، أي 3 ثمرات في العنقود الواحد، وتصل إلى 4 في بعض الأحيان، ويتميز بالزيادة في المحصول والتجانس، على عكس الأجنبي الذي يوجد به ثمرة واحدة، وهجين آخر يسمى "الصفا" للزراعة في الصوب.

بينما يوجد عدة هجن للفلفل، منها الملون ويشمل اليسر "1، 3، 4"، والحريف "قطوف 1، و2"، و"قطوف 26"، وهي 3 هجن صالحة للتصدير، ومصرية تماماً، وبالنسبة لـ"الكوسة" هناك هجين "تبارك" وهو من الأنواع الممتازة ويتميز بلونه الأخضر الفاتح، وتحمله الأمراض، أما بالنسبة للأنصاف وليست الهجن، وهي الفاصوليا واللوبيا والبسلة، فيتم بيعها كأصناف وليس هجن.

وأكدت أستاذ تربية الخضر، أن أسعار التقاوي والهجن الأجنبية تزيد للضعف عن المصرية، فمثلا، أسعار الفلفل يباع بـ 30 قرشا للجرام، بينما الشركات الأجنبية تبيعه بالذرة بـ8 قروش، وكذلك البطيخ الجرام يباع بـ 4حنيهات، والمستورد بـ 6 و 7 جنيهات، مع أن فارق الجودة الذي يصب في صالح المنتج المصري.

وفي السياق ذاته، أكد الدكتور جمال صيام، أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة، أن استنباط هجن جديدة مرتبط بالتكنولوجيا العلمية الحديثة، التي تساهم في ذلك، ولكن مصر لا يوجد بها أدنى اهتمام بالبحث العلمي، قائلا، "حتى ميزانية مركز البحوث الزراعية لا تكفي إلا لتوفير بنزين وسولار لسيارات المركز، وليس لإجراء بحوث علمية".

 وأضاف "صيام"، في تصريح لـ"الأرض"، أن السياسة الزراعية التي تنهجها الدولة لا تصلح لمنظومة زراعية حديثة، يتم فيها إنتاج محلي للبذور والتقاوي، وهذا هو التخلف بعينه، عندما نستورد بذور وتقاوي بملايين الدولارات.

 وأشار أستاذ الاقتصاد الزراعي إلى أن البحث العلمي في مصر "صفر"، على الرغم من أن الدستور حدد حصول البحث العلمي على 4% من الناتج المحلي الإجمالي، مؤكدا أن تجاهل مواد الدستور جعل مصر تستورد كامل غذائها من الخارج، موضحا أن احتكار الشركات لصناعة البذور والتقاوي في العالم، وعلى رأسها الشركات الإسرائيلية التي تملك فروعا في جميع دول العالم، وتحقق مكاسب بمليارات الدولارات.

 وأكد "صيام" أن البذور والتقاوي التي تصدرها وتوزعها الشركات لا تصلح للزراعة إلا لعام واحد أو موسم واحد، وبعدها تفقد القدرات الإنتاجية والمميزات الخاصة بها، أي يتم تدمير الصنف بعد موسم واحد من الزراعة.

 من جهته قال الدكتور تيمور نصر الدين، أستاذ الهندسة الوراثية ومدير معهد البحوث الوراثية السابق، إن هناك مشروع قانون جديداً في معهد الهندسة الوراثية، سيتم عرضه على البرلمان المقبل، لاستنباط هجن وأصناف جديدة لخدمة الفلاح.

 وأضاف "نصر الدين"، في تصريح لـ"الأرض"، أن هدف القانون هو التحكم في النباتات المهندسة وراثياً، سواء من الإنتاج المحلي أو من الاستيراد، لأن مصر تعتمد على استيراد معظم المحاصيل من الخارج، لذلك لابد من وجود قانون، مشيرا إلى أن المعهد يهدف إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية، أولها محاولة نقل التكنولوجيا الموجودة في الخارج إلى مركز البحوث الزراعية، وإنشاء مجال علمي للمتخصصين والعلماء المصريين، بالتدريج، سواء في مصر أو إرسال بعثات للخارج، وأخيراً حل بعض مشكال الزراعة المصرية.

وأوضح أستاذ الهندسة الوراثية أن هناك اهتماما خاصا باستنباط هجن جديدة لمحصول الذرة، لإصابتها بالعديد من الآفات، قائلا،"أوجدنا العديد من الأصناف الجديد، وهناك شغل على البطاطس، لموجهة درنات البطاطس، وهناك العديد من المحاصيل نعمل عليها، من خلال الأمان الحيوي، في المعاهد أو في الكليات التي تعمل في هذا المجال".