سيادة الرئيس: مَن هؤلاء؟
لا يساورني شك في أن الرئيس عبد الفتاح السيسي حاكم يملك زمام "القوة الناعمة"، التي أثبتت على مدى عقود طويلة، قدرتها على قيادة دول ومنظومات سياسية واقتصادية عملاقة.
لكن السؤال الذي يحتاج إلى إجابة لكثير من المواطنين على اختلاف درجاتهم، هو: مَن يرشح للرئيس المجموعات المختارة في كل المجالات (المهنية، الاستشارية، الفنية، وحتى النظرية)، حينما يود الاستماع إلى شيوخ "طريقة" أي مهنة، وهنا أخص بالذكر "مجموعة الصحافة والإعلام"، ومعظم أعضائها حاز صفة "متحوّل" بعد ثورة 25 يناير 2011.
أعضاء هذه المجموعة، يبالغون في الشكوى من أن المجتمع ظالم، في "تخوينه" لهم، و"تشكيكه" فيهم، متجاهلين أنهم هم من قدموا المستندات الدامغة على أنهم "خائنون"، ومتلونون، في رأي معظم مشاهدي القنوات الفضائية، وقارئي الصحف، التي فقدت مصداقيتها.
وصفة خائن، لا تنطبق فقط على من ثبتت ضده جريمة الجاسوسية ضد الوطن، بل تنطبق - من وجهة نظر العامة - على كل من خان نفسه ومهنته، فاستلب مساحة هواء على قناة فضائية، أو مساحة ورقية في صحيفة أو مجلة، ليثبت من خلالها كيف أنه قريب من رئيس الجمهورية، وأنه بكل "سماجة" و"برود"، قادر على نقد الرئيس، والرئيس يتقبّل نقده قبولا حسنا.
الغريب أن النقد الذي يوجهه أحدهم للرئيس يأتي على شاكلة: "بعد إذن سيادتك يا ريس، كلنا نعرف أن سيادتك رحب الصدر، وتقبل الرأي الآخر، ولذلك يا ريس..." ثم يكتم أنفاسه، ويغمض عينيه إمعانا في إثبات تمرير النقد بأدب جم، فيتمخض جبل النفاق أمام المشاهد، ليلد رأيا ركيكا: الحكومة مش مساعداك يا ريس.
ويكمل الإعلامي الهمام، فيرد الريس برحابة صدره وبهدوئه المعهودين: عندك حق.. وأنا عارف.
أتحدث هنا عن حلقة تليفزيونية على واحدة من أشهر القنوات الفضائية المصرية، أعدت خصيصًا لمناقشة تهمة "التردي المهني للصحافة والإعلام"، للدرجة التي صنّفت المشهد الإعلامي الكلي على أنه "إعلام السيسي".
بدأت الحلقة بجدية تؤكد أن هزةً عنيفةً سيتعرض لها الجبل "الإعلامي والصحفي"، كأن يعترف عضوا الطرف المتهم، بسقطات مهنية صاحبت المشهد الإعلامي والصحفي في مرحلة حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، على يديهما، ومن هم على شاكلتيهما، لكن ما توقعته أنا، وتوقعه غيري، قد حدث؛ حيث تم تبرير السقوط بـ "الإخلاص الحماسي في التصدي للإرهاب".
ومع بعض الاعترافات بسقطات مهنية مبررة، جاء الزهو برسم صور ركيكة: كنت أجلس على ركبتيّ في الصف الأمامي لصورة تذكارية مع الريس، وعلى يميني "الصديق الكاتب الصحفي الكبير..، أو حين جلست إلى "اليسار" من الرئيس في الطائرة: "والحمد لله أنني كنت على اليسار، وتلك تعني لي أشياء مهمة، ووجهت للريس نقدي الصريح إياه".
ويرد رفيقه: لا أنا إللي كنت قاعد على الأرض جنبك، فيتدخل المذيع متسائلا: يعني الراجل بيتقبل النقد يا جماعة، ليرد الرفيق "نجم النجوم": أيه يا باشا.. ما هو أنت بتحضر الجلسات دي كتير، وبتشوف بنفسك؟
ويستمر الحوار بجديته المصنوعة، ورسائله الفجة الموجهة للمهنة وشيوخها الأصليين، التي لا تحمل معنى سوى: "إحنا وبس" رجال الرئيس، ولا إعلام بدوننا، ولا صحافة إلا بما رسمته أقلامنا، ولن يلتقي الرئيس سوى ما رشحناه للقائه.
وسؤالي: هل الرئيس السيسي، غير قادر على شق الصف الأمامي، والنظر إلى الصفوف الخلفية، فربما يجد الحقيقة وسط ضحاياها؟
لكن السؤال الذي يحتاج إلى إجابة لكثير من المواطنين على اختلاف درجاتهم، هو: مَن يرشح للرئيس المجموعات المختارة في كل المجالات (المهنية، الاستشارية، الفنية، وحتى النظرية)، حينما يود الاستماع إلى شيوخ "طريقة" أي مهنة، وهنا أخص بالذكر "مجموعة الصحافة والإعلام"، ومعظم أعضائها حاز صفة "متحوّل" بعد ثورة 25 يناير 2011.
أعضاء هذه المجموعة، يبالغون في الشكوى من أن المجتمع ظالم، في "تخوينه" لهم، و"تشكيكه" فيهم، متجاهلين أنهم هم من قدموا المستندات الدامغة على أنهم "خائنون"، ومتلونون، في رأي معظم مشاهدي القنوات الفضائية، وقارئي الصحف، التي فقدت مصداقيتها.
وصفة خائن، لا تنطبق فقط على من ثبتت ضده جريمة الجاسوسية ضد الوطن، بل تنطبق - من وجهة نظر العامة - على كل من خان نفسه ومهنته، فاستلب مساحة هواء على قناة فضائية، أو مساحة ورقية في صحيفة أو مجلة، ليثبت من خلالها كيف أنه قريب من رئيس الجمهورية، وأنه بكل "سماجة" و"برود"، قادر على نقد الرئيس، والرئيس يتقبّل نقده قبولا حسنا.
الغريب أن النقد الذي يوجهه أحدهم للرئيس يأتي على شاكلة: "بعد إذن سيادتك يا ريس، كلنا نعرف أن سيادتك رحب الصدر، وتقبل الرأي الآخر، ولذلك يا ريس..." ثم يكتم أنفاسه، ويغمض عينيه إمعانا في إثبات تمرير النقد بأدب جم، فيتمخض جبل النفاق أمام المشاهد، ليلد رأيا ركيكا: الحكومة مش مساعداك يا ريس.
ويكمل الإعلامي الهمام، فيرد الريس برحابة صدره وبهدوئه المعهودين: عندك حق.. وأنا عارف.
أتحدث هنا عن حلقة تليفزيونية على واحدة من أشهر القنوات الفضائية المصرية، أعدت خصيصًا لمناقشة تهمة "التردي المهني للصحافة والإعلام"، للدرجة التي صنّفت المشهد الإعلامي الكلي على أنه "إعلام السيسي".
بدأت الحلقة بجدية تؤكد أن هزةً عنيفةً سيتعرض لها الجبل "الإعلامي والصحفي"، كأن يعترف عضوا الطرف المتهم، بسقطات مهنية صاحبت المشهد الإعلامي والصحفي في مرحلة حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، على يديهما، ومن هم على شاكلتيهما، لكن ما توقعته أنا، وتوقعه غيري، قد حدث؛ حيث تم تبرير السقوط بـ "الإخلاص الحماسي في التصدي للإرهاب".
ومع بعض الاعترافات بسقطات مهنية مبررة، جاء الزهو برسم صور ركيكة: كنت أجلس على ركبتيّ في الصف الأمامي لصورة تذكارية مع الريس، وعلى يميني "الصديق الكاتب الصحفي الكبير..، أو حين جلست إلى "اليسار" من الرئيس في الطائرة: "والحمد لله أنني كنت على اليسار، وتلك تعني لي أشياء مهمة، ووجهت للريس نقدي الصريح إياه".
ويرد رفيقه: لا أنا إللي كنت قاعد على الأرض جنبك، فيتدخل المذيع متسائلا: يعني الراجل بيتقبل النقد يا جماعة، ليرد الرفيق "نجم النجوم": أيه يا باشا.. ما هو أنت بتحضر الجلسات دي كتير، وبتشوف بنفسك؟
ويستمر الحوار بجديته المصنوعة، ورسائله الفجة الموجهة للمهنة وشيوخها الأصليين، التي لا تحمل معنى سوى: "إحنا وبس" رجال الرئيس، ولا إعلام بدوننا، ولا صحافة إلا بما رسمته أقلامنا، ولن يلتقي الرئيس سوى ما رشحناه للقائه.
وسؤالي: هل الرئيس السيسي، غير قادر على شق الصف الأمامي، والنظر إلى الصفوف الخلفية، فربما يجد الحقيقة وسط ضحاياها؟
والسؤال لا يخص مهنة الصحافة والإعلام فقط، بل يخص كل المجموعات التي يتم ترشيحها من جهات عديدة (فنية واستشارية وبحثية)؛ للقاء الرئيس على أنها المجموعات الوحيدة القادرة على نقل الصورة الحقيقية، لصانع القرار، حتى يتحرك على أضوائها.
سيادة الرئيس.. هؤلاء على اختلاف مجموعاتهم، يصادرون آراءً حكيمة، ويجهضون رؤى نافذة، ويقطفون رءوسا يانعة، ويخرسون ألسنة صادقة، ويتسببون في تشريد وتجويع عشرات الصحفيين الشباب، ويشتبكون بخيوط غير مرئية، في أنسجة "نفعية جبروتية" تحجب عن عينيك صورة قافلة تتعثر في الشرق، وتمنع عن أذنيك استغاثة أخرى في الغرب.سيادة الرئيس.. كلي ثقة في أنك تسعى للقاء ربك بـ "قلب سليم"، يوم لا ينفع صحفي ولا إعلامي ولا مستشار.