الجمعة 26 أبريل 2024 مـ 01:07 صـ 16 شوال 1445 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

ع القهوة

طقت فى رأس أحد العواطلية فى قريتنا أن يفتح قهوة بلدى فى منتصف ثلاثينيات القرن الماضى ، ولما علم برهان باشا نور بالخبر المفجع ؛ ماكان منه إلا أن أمر برمى الكراسى والنصبة والكنب ( جمع كنبة ) والكنك ( جمع كنكة ) والجوز ( جمع جوزة ) فى النيل القريب ، ونجا العواطلى بأعجوبة من كرابيج رجال الباشا وأياديهم الثقيلة ! . ولم يكن الباشا حريصا على استقامة الناس ولا خائفا على صحتهم ، ولكنه كان يعرف أن هذه القهوة سوف تجذب الفلاحين للسهر فيها حتى مطلع الفجر فلا يستطيعون الذهاب والعمل فى غيطان الوسية ، وتلك بالنسبة له أم المصائب والكوارث ! . وظلت القهوة عالقة فى ذهنى بالبوظان والمخدرات حتى جلست على قهوة الفيشاوى فى القاهرة والتى أنشئت عام 1797 م وعرفت أن من روادها الأوائل جمال الدين الأفغانى والامام محمد عبده ثم نجيب محفوظ ويوسف إدريس ومحمد الموجى وكمال الطويل ، ثم كان من حظى أيضا أن أجلس على مقهى ريش التى أنشئت عام 1908 م وارتادها العقاد وتوفيق الحكيم وكبار الكتاب والفنانين والشعراء ، بل وكان لها دور فاعل فى ثورة 1919 م حيث كانت تكتب فيها منشورات الثورة وتوزع من خلالها ، وكان لى شرف الالتقاء بأحمد فؤاد نجم وأمل دنقل عليها ! . ولكن ، ومع الانفتاح الذى أفسد كل شىء ، أفسدت المقاهى أيضا ، وصارت أماكن للبلطجة والفساد والإفساد ، وانتشرت بصورة مفزعة ، واحتلت شاطىء النيل فى كل المدن المصرية ، وضربتها العشوائية التى ضربت كل شىء ، فلا تراخيص ، ولا خضوع لقانون ، ولا دفع ضرائب ، ولا أخلاق ، وارتدت تلك المقاهى ثوبا حديثا فأسموها ( كافيه ) ، وخصصت فيها أركان للشيشة بكل مذاقاتها ، كما خصصت زنقات للعشاق يخطفون القبلات وما يتلوها مع تجاهل متعمد من النادل لقاء بقشيش دسم !. والغريب أنك تمر فى أى وقت فتراها مكتظة بالرواد من الجنسين ، شباب يعانون من البطالة ثم تراهم يدفعون عشرات الجنيهات ثمنا لتلك الجلسة دون أن تعرف مصدرها ! . وفى كل ( كافيه ) مجموعة من البودى جاردات جاهزين للتدخل العنيف والاجرامى ضد من تسول له نفسه أن يسأل أو يجادل أو يعترض ، كان آخرها مقتل الشاب محمود بيومى فى واحدة من تلك الأوكار ( الشيك ) فى مصر الجديدة ، مما يستوجب تدخل الدولة وفرض سيطرتها عليها ، بعدما صارت فوضى حقيقية ، ولكنها فوضى غير خلاقة ، وغير أخلاقية أيضا ! .