الجمعة 29 مارس 2024 مـ 04:11 صـ 19 رمضان 1445 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

رغم ذنب «القمح المبرد» .. ماذا لو خسرنا وزير الري الحالي

مع تنحية تجربة "القمح المبرد" جانبا، لم يجرؤ وزير مصري على السباحة ضد التيار، بهدف نبيل، سوى الدكتور محمد عبد العاطي وزير الموارد المائية والري الحالي، ولذلك ستعود مصر إلى الوراء مرة أخرى فيما يتعلق بملف الري والصرف، إذا شمل التعديل الوزاري الجديد الدكتور محمد عبد العاطي.

"عام" سلفه حسام مغازي على "عوم" الدكتور فاروق الباز، لترويج معلومة غير محسومة، وهي أن مصر عائمة فوق أنهار من المياه، خاصة في الصحراء الغربية، وأنه من الميسر مائيا لمصر زراعة 4 ملايين فدان، وجاء عبد العاطي ليظهر الحقيقة بخطاب رسمي إلى رئيس مجلس الوزراء، قبل نحو شهرين، يحذر فيه من زراعة أكثر من 26% من المساحات المعلنة لمشروع ال 1.5 مليون فدان، إذا أردنا ضمانة لتنمية زراعية صناعية عمرانية مستدامة.

ولمن لم تتوافر له معلومات حقيقية عن هذا الرجل، فإن الدكتور محمد عبد العاطي كان الوزير الوحيد الذي جرؤ على"نكش" أعشاش الدبابير، وخنادق الضباع في الوزارة، التي عُرِف عنها أنها كانت تدار بمراكز قوى متنازعة على "المال" و"السلطة"، ولذا فلم تكن شركة الكراكات المصرية التابعة للوزارة تحقق أعمالا إضافية فقط في عهده،  تتقلص خسائرها في 2016 إلى 20 مليون جنيه فقط، بدلا من رقم الخمسين مليون الذي اقترن بها عدة سنوات مضت، وعدد من الوزراء السابقين، لكن ضغط الخسائر تسبب فيه أيضا ضغط الإنفاق الذي كان زائدا على الحاجة الفعلية للتشغيل.

أنهى عبد العاطي "تكية" المستشارين، فشتت أسماءً اتخذت من الوزارة صلابة أعمدتها الخرسانية، وحولت ردهاتها إلى جزء من نادي معاشات نقابة المهندسين، واستخدموا الوزارة سلاحا لحصد مكاسب مالية ونقابية، لكن ذلك كان على حساب مال الدولة.

"القمح المبرد" كان العصى الضعيفة التي حاول بها أعداء العمل ونظافة اليد والترفع، ضرب الوزير، الذي لم يقترف في هذه التجربة ذنبا، غير أنه لم يوقفها، وربما لأسباب سياسية خارجة عن إرادته، حيث أكملت التجربة عامها الرابع، وتبنتها فعلا القوات المسلحة، حتى تصل إلى نهايتها.

قد تطلع الشمس، فنرى تعديلا وزاريا شمل وزارة الري، وبذلك تخسر مصر رجلا ترفع عن بدلات الوزراء، واستغنى عن الكثير من مظاهر البذخ الشرعية المصاحبة للوزراء، ويصر على استخدام سيارته الخاصة إيابا، وفِي مشاويره العائلية والاجتماعية، بلا تشريفات، حقنا للمال العام الذي يهدر في محروقات تشريفات الوزراء، كما تنازل عن حقه المشروع في استخدام الاستراحة الملكية في القناطر الخيرية، كسكن عائلي للوزير.

قد تخسر مصر رجلا امتنع عن صرف أموال من وزارة الري، كإكراميات، أو بأي مسميات تخالف منظومة الرواتب والأجور والحوافز، كما ربط الأخيرة فعلا بالعمل والإنتاجية، حيث ألقى في النيل كل كشوف البركة التي توارثها سابقوه، ما تسبب في غضب فئات نوعية كثيرة من ذوات المصالح مع وزارة الري منذ سنوات طويلة مضت.

نخشى ما نخشاه أن تخسر مصر رجلا وزع سيارات ديوان عام الوزارة لخدمة الأقاليم، بدلا من استخدامها كأملاك في إقطاعيات خاصة لخدمة قيادات عتيقة ومستشارين أنهى عقودهم، ليستمتعوا بحقوقهم المشروعة في نادي المعاشات، بدلا من استسهال إنفاق  المال العام بلا عمل حقيقي.

شهادة للتاريخ: عمد الدكتور محمد عبد العاطي العمل في هدوء، فأطفأ أنوار ماكينة الدعم الإعلامي التي جعلت من حسام مغازي بطلا أسطوريا رغم "نومه في الخدمة"، وتهويل معلومات المياه الجوفية، وتهوين "بلاوي" سد النهضة، وسوف تخسر مصر كثيرا إذا شمله التعديل الوزاري، لكنه سيكسب راحة البال مرة أخرى، حين يعود لاشتراك الأوتوبيس الحكومي، الذي اعتاده سنوات طويلة من بيته في المعادي، حتى محطات عمله المتفرقة.

وعلى صعيد الأداء الفني خلال فترة عمله كوزير للموارد المائية والري، سأكتفي ببعض ملامح أداء وزير الري الحالي:

- اختفاء التوتر والغضب الشعبيين من أزمة سد النهضة، التي كانت كل المعلومات فيها متاحة بفعل سلفه الدكتور حسام مغازي، ومن قبله الدكتور محمد عبد المطلب، وهو الأمر الي أدى إلى حيرة الجانب الإثيوبي والسوداني من خطط مصر المقبلة ، فالوزير الحالي يقرأ جيدا ما يفيده في إدارة الأحواض المائية الدولية المشتركة، مثل نهر النيل، وفيما يتعلق بالإدارة الرشيدة للمياه.

- نجح عبد العاطي في الحيلولة دون إحداث أي توتر بسبب توفير مخزون مائي بلغ 3 مليارات متر مكعب من المياه، وفق خطة محكمة لمواجهة مرحلة بدء تخزين سد النهضة الإثيوبي، والتى تحتاج إلى توفير 6 مليارات متر مكعب مع المرحلة الأولى لتخزين السد، والتي قد تبدأ في أغسطس المقبل، حال انتهاء دراسات المكتبين الاستشاريين المكلفين بملفات فنية، منها: تحديد عدد سنوات الملء الأولى، التي تتطلب حجز كميات كبيرة من المياه خلف السد، لتؤثر سلبا على حصة مصر من مياه النيل (55 مليار متر مكعب سنويا).

وفِي هذه النقطة أيضا، نجح الوزير الحالي في توفير أكثر من 600 مليون متر مكعب من المياه، مع بدء الموسم الشتوي للزراعة، دون أي قلق أو توتر من المزراعين، وذلك بحجة مواجهة موجات السيول بخفض المنصرف في الترع والمصارف دون أن تتأثر الزراعات الشتوية.

- لم تتأثر الثروة السمكية في فرع رشيد بالنفوق، كما كان يحدث كل عام أثناء السدة الشتوية بفعل زيادة تركيز الملوثات الناجمة عن استقبال مياه أكبر مصارف مصر في النيل، مع انخفاض منسوب المياه المنصرفة للفرع، وذلك باتباع سياسة حكيمة لتمرير المياه دون إحداث خلل.

- تراجعت خسائر شركة الكراكات المصرية التابعة للشركة القابضة، إلى 20 مليون جنيه فقط، بعد أن اعتادت تسجيل خسائر سنوية قدرها 50 مليون جنيه، طوال سنوات مضت في عهد وزراء سابقين، حيث أسند إليها عبد العاطي تطهير ترع ومصارف وعمليات حماية شواطئ، ما أعانها على تقليص خسائرها، وتجديد معداتها، بشكل فني يؤول إلى تحقيق التعادل، أو تسجيل أرباح بنهاية عام 2017.

- نجح عبد العاطي في تحديث الخطة القومية للموارد المائية، لإعادة توزيع المياه على المحافظات، بما يسمح بعدم هدرها، وتم وضع خطة قومية لكل محافظة تحدد احتياجاتها السنوية من مياه الشرب والزراعة الكافية لتطويرها.

وحتى لا يكون هاجس "التغيير من أجل التغيير فقط"، هو ناموس المرحلة الحالية، بمبرر تحريك المياه الراكدة، يجب التمهل في قراءة تقارير الأداء الفني لكل وزير، إذا بقي لتحفيزه وتعظيم إيجابياته، أو رحل عن منصبه، ليستفيد من تجربته كوزير في دائرة عمله الأساسية.