الجمعة 29 مارس 2024 مـ 01:29 صـ 18 رمضان 1445 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

السؤال السهل في امتحان التنمية

على باب لجنة الامتحانات، تكون النصيحة العامة: ابدأ بالأسهل، والمقصود هنا استثمار الوقت المحدد في حل أكبر قدر من الأسئلة التي تتميز بالسهولة كونها الأكثر تداولا في نماذج الامتحانات طوال عام المذاكرة أو التدريب، وبها يضمن الممتحِن النجاح ـ على أقل تقدير.

وفِي مجال السياسة أو الخدمة العامة، يكون المسؤول أو الحاكم محظوظا بالتعرف على الكثير من المسائل السهلة، كونها الأكثر تداولا وإلحاحا على ألسنة المواطنين، وغالبا ما تشكل حاجات ضرورية تتعلق بالحياة الكريمة، مثل: الصحة، والتعليم، والسكن الملائم.

وفيما يتعلق بالصحة، فدونها المأكل والمشرب النظيفين الخاليين من مسببات الأمراض، ولا سبيل لتأمينهما بديلا عن الزراعة وما يرتبط بها من تنمية للثروة الحيوانية والسمكية والداجنة، والصناعات المتعددة القائمة عليها أصلا وفروعا، لما ينتج عنها من رفاهية تحقق الأمن المجتمعي.

من حيث التعليم، فهو السؤال الثاني في ترتيب "الأسهل"، وبدون إصلاح معضلاته وإنارة فصوله، فلا تغذية ولا سكنا ولا صحة، لأن مخرجات التعليم هي الخلايا الجذعية لبناء المجتمعات سليمة البنيان حضاريا وسلوكيا، ولا سبيل لإصلاح التعليم إلا بإصلاح المعلم، وفِي هذا الباب طروحات ورؤى، لا يتسع المقال لمقامها.

ولأن هذه المعضلات على سهولتها، تتميز ملفاتها بالضخامة، فسوف تتطلب وقتا يزيد على الوقت المطلوب للأسئلة الصعبة، ولذا يجب البدء في الأسئلة الأكثر تداولا، والتي تحل نفسها بمجرد وضع القانون والمعطيات، لتنعكس نتائجها الفورية إيجابا على نفسية الممتحِن، فتعطيه الطاقة المتجددة للمضي قدما في فك ألغاز باقي الأسئلة.

وفي ورقة الرئيس عبد الفتاح السيسي تزدحم الأسئلة، ويختلط فيها السهل بالصعب، والأسهل بالأصعب، ولا تخلو أبدا من معضلات معقدة، قد ينتهي وقت الامتحان، دون الوصول إلى حلها، وعلى الرغم من ذلك يحقق الرئيس في النتيجة الكلية نجاحا بامتياز.

قد تكون الظروف التي مرت بها البلاد خلال العقد الأخير، دفعت الرئيس السيسي للتصدي للمعضلات، قبل فتح الملفات السهلة، يقينا منه أن الشعب صبور، ويتحمل الصوم جوعا، وعطشا، وترفيها، إيمانا واحتسابا لوجه مصر، لكنه لم يحسب الفترة التي ينبغي فيها أن يتخلى الصائم عن صبره، فيكسره مضطرا، هربا من الموت.

الأسئلة السهلة، كانت الأولى بالحل، لأن الجائع لا يقدر على الحرب، والشعب المصري عن بكرة أبيه وقف على الجبهة الداخلية، منذ 25 يناير 2011، وجدد إيمانه بالتجنيد الاختياري على الجبهة ذاتها في 30 يونيو 2013، استعدادا لصد عدوان الفقر والجوع والإرهاب، إيمانا منه بأنه سيجد الحد الأدنى من المؤن التي تعينه على الثبات في المعركة.

ومن الأسئلة الأسهل، والأكثر إلحاحا، كان ملف الغذاء، لكن إجابته استدعت من الرئيس الاستعانة بخبراء من خارج الدائرة، أو من "برا الملعب"، فكانت معادلاتهم موغلة في النظرية، ومبالغة في اللف والدوران، حتى استنفذت الوقتين الأصلي والإضافي، دون بلوغ الحل المأمول، ومنها: مشروع سد الفجوة الغذائية من بوابة الزراعة، وما يتبعه من زراعة 1.5 مليون فدان صحراوي.

استعان الرئيس بمستشار زراعي تخصص 40 عاما في الغابات، على الرغم من أن مصر لا تقع ضمن حزام الغابات، ولا يمكن أن تثرى بمشاريع استزراع الغابات الخشبية، التي لن تؤتي أُكلها قبل عشرة أعوام على الأٌقل، في الأجواء التي تصلح لها، وقد لا يعرف المستشار أن مصر بها أكثر من 50 غابة شجرية، تستنزف أموالا، ولا تُنتج غير العدم.

استعان الرئيس السيسي أيضا بالدكتور فاروق الباز، الخبير العالمي في وكالة ناسا لعلوم الفضاء، ومعه اقتنع الرئيس بمحور التنمية الموازي لخط الوادي والدلتا في الصحراء الغربية، مستندا إلى صور الأقمار الصناعية، التي رصدت مياها جوفية، لا تملك مصر القدرة على استخراجها بمعدل اقتصادي حميد.

من دراسة الباز أيضا، تشكل حلم الرئيس بتوسيع الرقعة الزراعية للمصريين، الذين تآكلت حظوظهم في الرقعة المنزرعة، إلى ما دون 0.75 فدان للفرد، كما تراجعت حظوظه من الماء النظيف إلى ما دون خط الفقر المائي (نحو 700 متر مكعب سنويا)، لكن حل هذه المعضلة يتطلب كما جاء في المثل الشعبي الموروث "مال قارون، وصبر أيوب، وعمر نوح"، ولم يكن مطلوبا من الرئيس السيسي في دورته الأولى سوى زراعة 400 ألف فدان، بمعدل 100 ألف فدان سنويا.

أما السؤال الأسهل في هذا الباب، فيتمثل في مشروع قومي لصيانة أراضي الوادي والدلتا، والتي هدها المرض، وسدت مساماتها مياه الري، مع انعدام شبكات الصرف الأزلية، سواء تلك التي أقيمت ضمن مشروع محمد علي باشا، أو تلك التي أضافتها منح المشاريع الأجنبية للصرف المغطى.

هذا السؤال لم يكن يتطلب سوى 60 مليار جنيه، عربون حب من الدولة المصرية، على أن يسددها الفلاحون بالأقساط المريحة على عشرة أعوام، (10 آلاف جنيه لكل فدان)، وهذا الحل كان كفيلا برفع إنتاجية الإرض القديمة بنسبة لا تقل عن 25 %، وهي توسعة رأسية تفوق مساحة الـ 1.5 مليون فدان صحراوية.

وبدلا من المشروع اللوجيستي لتداول وتخزين الغلال في شرق التفريعة، وما حام حوله من دراسات معاكسة أو مضادة، وما يحتاجه من عشرات المليارات، كان السؤال الأسهل البديل، هو إحياء المشروع القومي للصوامع المعدنية في أمكان إنتاج القمح في محافظات مصر، وهو مشروع متاح لدى معهد الهندسة الزراعية التابع لوزارة الزراعة، بواقع ألف صومعة، سعة 5000 طن للصومعة الواحدة، ولا تزيد تكاليفه على ملياري جنيه، كون هذه الصوامع يتم تصنيعها داخل الهيئة العربية للتصنيع بمكونات محلية.

الإجابة على هذا السؤال، توفر نحو 25 % من إجمالي الأقماح المنتجة محليا، وهي النسبة المفقودة واقعيا ما بعد الحصاد، خلال مرحلتي التداول والتخزين في الشون التقليدية (نحو 1.25 مليون طن قمح).

من الأسئلة السهلة واجبة الحل الفوري، إجبار وزارة الزراعة على إحياء محور زراعة القطن، لزراعة نحو مليون فدان بالتدريج خلال ثلاثة أعوام، ومنها ننتج نحو 7 ملايين طن قطن، نحصل منها بالحلج على نحو 4.5 مليون طن بذرة، نستخلص منها 900 ألف طن زيت طعام، و3.6 مليون طن "كسب" للإنتاج الحيواني.

موضوعات متعلقة