الأرض
الإثنين 25 نوفمبر 2024 مـ 01:06 صـ 23 جمادى أول 1446 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

* الثانوية العامية ! *

هى سنة مصيرية بالفعل ، فارقة ، فور معرفة الطالب بنتجته تتحدد هويته المهنية إلى حد كبير ؛ طبيب ، مهندس ، مدرس ، محاسب ، بعد عام طويل وشاق من الانهاك المادى والعصبى ، ليس للطالب وحده ، ولكن للأسرة بكاملها ! .

ودائما ماكانت الثانوية العامة انعكاسا لحال المجتمع وطريقة تفكيره ! .

بدأت عام 1905م وكانت تسمى البكالوريا ، وكانت شهادة منتهية ، يعنى تستوظف بها فى الحكومة على درجة مالية معتبرة ، أيام أن كان كل شئ له قيمة ، والأكثر من ذلك أنك إذا التحقت بالمدرسة الابتدائية وقضيت فيها عاما أو بعض عام ثم تركتها ، فإنك تحصل على شهادة تسمى « جلس » أى أنك جلست الى مقعد العلم لكنك لم تكمل ! .

وقد مرت شهادة الثانوية العامة فى تاريخها بثمان تعديلات حادة ، حتى كان آخر تعديل لها عام 2012 م وهو المستقر العمل به حتى اليوم ، قبل الشروع فى إلغائها ! .

وفى سنوات النهضة الناصرية الكبرى ، وبناء السد العالى والتصنيع الثقيل ، تقدمت كليات الهندسة إلى القمة ، فرأيت فى قريتنا فى عام واحد ، أربعة كواكب متفوقين ، التحق ثلاثة منهم بكليات الهندسة ، وأقلهم مجموعا رضى بكلية الطب حزينا مكسوف الخاطر ! .

ولما جلب لنا السادات انفتاحه السداح مداح ، وبدأنا عصر الفهلوة ، واللعب بالبيضة والحجر ، والجشع المادى والاستهلاك الترفى ، مع تضاعف أسعار النفط ، وزيادة الطلب على العمالة المصرية وخاصة المدرسين ، صارت كليات التربية فى الصدارة ، وأصبح المدرس يسعى للحصول على السفر إلى دول الخليج بأى ثمن ، وقد يرسل إلى أهله لكى يخطبوا له فتاة ، شرطه الوحيد فيها أن تكون إحدى خريجات كليات التربية ، وحبذا لو كانت رياضيات أو انجليزى ، ثم يرسلوها إليه مثل قفص الطماطم ! .

وعندما حلت على مصر الشدة المباركية ، زمن الفساد العظيم ، صارت الثانوية العامة مجرد مجموع ، يحصل عليه الطالب بالغش ، بالتزوير ، بالفلوس ، المهم أن يحصل على مجموع ضخم ، فسمعنا عن ال 110% ، وعن ال 120 %  وأصبح من يحصل على أقل من 98 % يتساوى بالراسب أو أسوأ حالا ! .

وامتزج السعىّ وراء المادة ، مع حب المنظرة والمباهاة ، مع ابتداع وسائل للفساد مع تكاثر الجامعات الخاصة ، إلى أن أصبحت كليات الطب والصيدلة هى حلم كل الأسر المصرية ، دون أى اعتبار لقدرات أو رغبات أبنائهم ، فتخرج لنا فاشلون فى كل المجالات ، بداية من الطبيب الذى يتاجر فى الاعضاء البشرية ، إلى القاضى الذى يتزعم عصابة للترويج للمخدرات ، وكل هذا بسبب الثانوية العامة ، أو العامية ! .

تهانينا لكل من نجح وتفوق بجهده وعن استحقاق ! .

واللعنة على كل غشاس ومدلس ، هو وأهله ! .

وأهمس فى أذن من لم يحالفه الحظ ؛ هوّن على نفسك ، ولاتحزن ، ربما تكون أنت أسعد بكثير من الأول على الجمهورية ، صدقنى بابنىّ ، فلايعلم الغيّب إلا الله وحده ! .