الجمعة 29 مارس 2024 مـ 09:08 صـ 19 رمضان 1445 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

* اللحمة *

ومن ابداعاتنا أيضا الانشغال باللحمة إلى حد التخمة المجتمعية والحضارية ، فترى إذا ما أهلّت بشائر عيد الأضحى بلدا بكامله لايشغله سوى اللحمة ، توافرها ، أنواعها ، أسعارها ، وكأنه مولد « ستنا اللحمة » حتى أن المصريين بفطرتهم العبقرية أطلقوا عليه « عيد اللحمة » ! .

فالحكومة تنهمك فى عشرات التصريحات عن استيراد كميات إضافية من البرازيل والسودان لسد فم المجتمع المفتوح على مصراعيه لالتهام أى كمية من اللحمة ! .

الناس لاحديث يشغلهم سوى عن أنواع اللحمة ( بتلو - كندوز - عجالى ) وعن مصادرها ، وعن الأضاحى وأشكالها ( خرفان - عجول - صك على جمعة - تقسيط جمعية الاورمان ) ! .

الإعلام لايفوته طبعا هذا المولد ، فينتشر مراسلوه فى بقاع المحروسة سائلين الناس عن موقفهم من اللحمة ، وآرائهم فيها ، وعن أسعارها ، والناس تندمج فى تمثيل الدور بحرفيّة عالية ، فمنهم من يشكو غلو سعرها ويرتفع بخياله إلى المائتى جنيه ، وكأنه من سكان الزمالك ، ومنهم من يسخر من الأمر كله - مثلى هكذا - ويرفض الإجابة ، ويستنكر تلك الهجمة اللحمية على عقول مائة مليون نسمة ، لديهم أزمة فى الفول المدمس ، فإذا بهم يبدون وكأن مشكلتهم الوحيدة هى اللحمة ! .

واللحمة صارت مقياس التفرقة بين القادر والفقير المعدم ، فمن تملكها واستطاع شراءها فهو من عليّة القوم ، ومن عجز وهجرها مكرها إلى الفراخ البيضاء فهو من حاملى بطاقة التموين ، وزبائن غادة والى وزيرة عدم التضامن ! .

حتى رجال الدين ، يستوون على مقاعدهم فى الفضائيات معددين فضائل اللحمة ، وذاكرين عشرات الأحاديث النبوية فى مدحها ، وتفضيلها ، حتى قال أحدهم بأن الرسول اسماها « سلطانة الطعام » ونسى أن فى زمن الرسول لم يكن المجتمع يعرف أى نوع من الطعام سوى الشعير واللحمة ، فقد كانت الإبل والاغنام تعد بمئات الآلاف ، حتى قيل أن الوليد بن المغيرة كان يمتلك وحده مليون رأس منها ، فيطعم منها الحجيج رافضا أن يشاركه أحد فى ذلك ، فسمىّ بالوحيد ، ونزل فيه قوّل الله تعالى ( ذرنى ومن خلقت وحيدا ) ! .

وكثيرا ماساءلت نفسى ، ماذا لو خلا هذا المجتمع من اللحمة ، ونسيها الناس واستبدلوا بها عشرات الأنواع من الأطعمة التى يبدع المصريون فى صناعتها وطهوها ، وماذا جرى للقذافى وغاندى وأنيس منصور ومن قبلهم أبو العلاء المعرى حين خاصموا اللحمة وأضربوا عن تناولها طوال حياتهم ، صدقونى لقد عاشوا أصحاء ، وقضوا عمرا مديدا ، حتى بلغ أبو العلاء الخامسة والثمانين ، وهو صحيح البنية والعقل ! .

وكل عيد لحمة ، وأنتم بخيّر ! .

موضوعات متعلقة