تبرعوا لتجفيف منابع السرطان
ليس عوما على عوم من انهالوا على مستشفى 57357 جلدا ولطما، ولكن سيرا على هدى من يشعرون بالذين تُشوى قلوبهم يوميا بصرخات مرضى السرطان من الأطفال و الكبار على السواء، سأدعو لمزيد من التبرع لمؤسسات أبحاث وعلاج هذا الداء، دون الخوف من التنكيل، مع الدعوى لفتح مضمار مواز للتبرع لصالح تجفيف منابع هذا المرض.
نعم لقد زاد التباهي في مصر ببناء أكبر صروح لعلاج السرطان في العالم، في الوقت الذي نحتفل فيه أيضا ببلوغ خطى واسعة على طريق "قرية خالية من فيروس سي"، ولكن بأسلوب الدفاع، وليس الهجوم.
الدفاع هنا يتجسد في مجابهة الفيروس الذي استشرى في أكباد المصريين، لأسباب لا يجهلها مسؤول أو مواطن مصري عادي، ومعظمها يأتي من التلوث البيئي، والاعتداء على مجاري مياه الري بمخرجات الصرف الآدمي، ونفايات المنازل، والحيوانات النافقة، والغلو في استخدام الأسمدة الكيماوية وبالتالي التأخر في إطلاق قانون الزراعة العضوية، وتشجيع تطبيقه على أرض الواقع.
نعم زادت مباريات دعائية، خاصة في شهر رمضان، على الفضائيات، طمعا، وهو طمع حميد، في الاستئثار بأكبر نصيب من كعكة الرحمة، المتمثلة في أموال الزكوات والصدقات، التي رأى المسلمون من قديم الزمن، أن أفضل الأيام لإخراجها، هي أيام الشهر الفضيل (رمضان).
ومع أنه لا وجود لنص قرآني، أو حديث نبوي، يجعل لصدقة رمضان قدرا أكبر من الفضل، عنها في باقي أيام السنة، جرت العادة لدى المسلمين على جعل الشهر الفضيل ميقاتا لحساب خراج الأموال والأطيان والعقارات، ولذلك كان من الطبيعي أن يكون شهر رمضان أيضا موسما لحصاد أموال الخير للجهات المحتاجة، وغلة الإعلانات للوسائل الإعلامية، ولا ضير في ذلك.
اختار فاعلو الخير طريق العلاج أسرع من طريق الوقاية، وذلك ببناء مستشفيات للعلاج وتخفيف الآلام، وليس بتجفيف منابع المرض من خلال تشدين مؤسسات أهلية تحض على فضيلة النظافة، ومقاومة العبث بالمجاري المائية، وترسيخ مبدأ "النظافة من الإيمان"، وأيضا تدشين جمعيات لمحبي الزراعة الآمنة أو النظيفة.
الطريق الأول تفرضه تحديات قوامها ملايين من مرضى السرطان، وقد يبلغ الضِعف عدد مرضى الفشل الكبدي، ومثلهم من المصابين بالفشل الكلوي، ولذا لم يكن هناك بد من أن يسبق برنامج العلاج خطة الوقاية.
قد يكون العلاج هو السلاح الأكثر مباشرة لقهر المرض، لذا تظل حملات الخير لإكمال مسيرة مستشفيات علاج السرطان، هي الأولوية الأولى لاستيعاب المرضى الحاليين، تخفيفا لآلامهم، وآلام ذويهم، لكن لا ضير أن يتوازى برنامج العلاج العاجل مع خطة لتنشيط العمل الخيري من أجل بناء مؤسسات أهلية تجمع تبرعات لصالح تغطية المجاري المائية، (ترع ومصارف)، ومد شبكات الصرف الصحي في معظم قرى مصر، أملا في حفظ مياه الري من مصادر التلوث والأمراض.
لا ضير أن نتبارى أيضا في جمع تبرعات لصالح مؤسسات أهلية تعمل في تدوير النفايات، ففيها تنظيف للبيئة، وخلق ملايين من فرص العمل في جميع قرى مصر، دون الحاجة للنزوح إلى المدن الكبرى، حيث أن كل قرية مصرية تستوعب مصنعا يتبرع أهلها بأرضه ووضع أساسه، ليستهدف "كنس" شوارعها من النفايات البلاستيكية التي هي عبارة عن مخلفات مصانع الشيبسي، والتي تمثل قيمة مهدرة قوامها ملايين اللترات من الوقود الحيوي "بايو ديزل"، ومعها حقن النصيب الأكبر من ميزانية وزارة البيئة، التي يتم إنفاقها بأساليب حكومية، لا تخلو من البذخ غير المبرر، ومعها بعد سنوات قليلة حقن نسبة كبيرة من موازنة الصحة العامة على الأمراض الوبائية التي لم تكن عنوانا للمصريين، قبل 30 عاما فقط.
لا ضير أيضا من جمع تبرعات أهلية لصالح تشغيل محطات معالجة الصرف الصحي، التي أنفقت فيها الدولة مليارات، وتقف كهياكل أكلها الصدأ، وتحولت إلى خانة "الخردة"، قبل أن تعمل، وإحصاؤها لدى وزارة الإسكان، وفي ذلك معالجة لمياه الصرف الآدمي، التي توجه إلى المصارف الزراعية، حيث لا يخفى على أحد أن وزارة الموارد المائية والري، تضع في خطتها الاستراتيجية استثمار مياه الصرف الزراعي أيضا في الري.
وحتى لا يحسب هذا الحديث من باب التنظير، فإن خزائن وزارة البيئة تعج بدراسات مشاريع لتدوير النفايات الصلبة إلى وقود حيوي، وعليه فإن التنسيق بين وزارات: التنمية المحلية، والبيئة، والبترول، والكهرباء، والمالية، يمكن أن ينتج عنه توقيعا فعليا لعقود رباعية لتدوير المخلفات، فتتولى "التنمية المحلية" اختيار مواقعها، وتُخصَم ميزانيتها من وزارة البيئة، ويباع إنتاجها من الوقود الحيوي لوزارة البترول، وإنتاجها من الكهرباء لوزارة الكهرباء والطاقة، وتنسق بينها إنشاءا وتسويقا وزارة المالية، مع الجزم بأن الهيئة العربية للتصنيع لديها عدة نماذج محلية من إنتاجها أو تجميعها، لوحدات تخليق الكهرباء والوقود الحيوي من النفايات الصلبة.
التحدي الأكبر أمام هذه الطروحات، يتجسد في عدم توافر التشريعات المنظمة لضمان التنفيذ لصالح القطاع الخاص أو منظمات المجتمع المدني، حيث إن اشتراطات وزارة البيئة في هذا الصدد تحمل من المعوقات، أكثر مما تقدمه من تسهيلات.
وأمام هذا العقم التشريعي لا يجب أن نطفئ شمعة السباق الشعبي الخيري لبناء المؤسسات العلاجية بتبرعات المصريين، أو العرب، أو غيرهم من الذين يشعرون أن في أموالهم حق لمريض محروم من نعمة الصحة والنوم الهادئ.