إلى صغار منتجي الدواجن: لا تهدموا معبدكم
التحريض الدائم لصغار منتجي الدواجن ضد اتحاد يجب أن يكون مظلتهم، إلى جانب كبار المنتجين، أمر في غاية الخطورة لصناعة الدواجن التي تعتبر ركيزة وطنية، تمثل أحد دعائم الأمن القومي في مصر، من باب "الأمن الغذائي".
نعلم أن صغار المنتجين يمثلون نحو 70 % من سلة إنتاج الدواجن في مصر، والتي يبلغ قوامها نحو 3.2 مليون دجاجة، ونحو 38 مليون بيضة مائدة، يوميا، لكنهم في الوقت ذاته، لا يمثلون من حجم الاستثمار في هذه الصناعة أكثر من 20 %، بما لديهم من عنابر، وبعض آليات العمل في مجال التسمين، وإنتاج بيض المائدة فقط.
لكن كبار المنتجين الذين يمثلون 30 % من الطاقة الإنتاجية في مجال التسمين وإنتاج البيض، يمثلون نحو 80 % من حجم الاستثمار، بما لديهم من منظومة متكاملة، (جدود، أمهات، تفريخ، أعلاف، ومجازر، ولوجستيات نقل وتخزين وتوزيع)، ونعلم أنه لولا صغار المنتجين، ما تحركت منظومة الكبار، لأن الصغار هم من يشترون مخرجات الأمهات ومعامل التفريخ، والتي هي كتاكيت التسمين والبياض، كما أنهم هم من يسحبون 70 % من أعلاف مصانع الكبار، وأكثر من هذه النسبة من الأدوية البيطرية التي تنتجها مصانع الكبار، أو تستوردها مكاتبهم من الخارج بهدف التجارة.
هذه الإحصائية تثبت احتياج كلا الطرفين للآخر ـ كل حسب حجمه، بدليل أن الكبار لا ينظمون مؤتمرا تسويقيا إلا بدعوة صغار المربين لحضوره، وذلك لإطلاعهم على مستجدات هذه الصناعة، بحضور خبراء عالميين في مجال الصناعة، بداية من جدود الجدود حتى الكتكوت، وما تتخللها هذه المؤتمرات من محاضرات مباشرة حول الأمان الحيوي، وبرامج التغذية السليمة، وطرق مكافحة العدوى، وعلاج الأمراض، وتحجيم نسبة النفوق، وغيرها.
سيقول قائل من الذين يحرضون صغار المنتجين دائما على كبارهم، إن الكبار لا يفعلون ذلك من أجل سواد عيون الصغار، فنريحه ونضع في عينه حصوة الملح، لنؤكد له إن الكبار يعنيهم في المقام الأول ربحية الماكينات الصغيرة، حتى يستمر النبع في التدفق، وبالتالي تحقيق الربحية لماكينتهم العملاقة أيضا من نجاح عنابر الصغار بإنتاجية تحقق الرفاه المالي، ومن ثم الاجتماعي في وسط صناعتهم.
هذا الحديث اليوم، بمناسبة ما نراه ونسمعه أحيانا من لهجة تصعيدية تطال اتحاد منتجي الدواجن، المتهم من قبل المحرضين، بهيمنة الكبار عليه بأسمائهم وشركاتهم، وهذا الوصف هو حيلة المحرضين الذين لا يهمهم من هذه الصناعة، سوى اشتعال الموقف لجني أرباح شخصية، وهذا الاشتعال لن يصب إلا في صالح المستوردين، الذين ينتظرون تهاوي عرش هذه الصناعة فوق رؤوس أصحابها، فيخسر الصغار أيضا، وبالطبع ستكون خسارتهم بحجم مساهمتهم في العملية الإنتاجية (70 %).
المستهلك المصري سيكون الضحية الأخيرة، كونه سيستقبل في العام الأول من سقوط سقف الصناعة، حثالة دواجن العالم (مجزآت، ثم أوراك)، ثم دجاجة كاملة مخزونة، لتسييل لعاب السوق في البداية، ثم بعد التأكد من تحطيم الصناعة المحلية، يرفع المنتجون الأجانب أسعار الدواجن إلى سقف الـ 4 دولار للكيلو اللاحم، الذي يباع حاليا في مصر بأقل من 25 جنيها.
لا أنتمي لهذه الصناعة إلا بجزء من رأس دبوس ملقى في كومة قش عملاقة، كوني واحد من نحو 105 ملايين مستهلك، ينتمون إلى أكثر من 25 مليون أسرة مصرية، تستهدف غذاءا آمنا خاليا من المسببات المرضية، تنتجه أياد مصرية، يعيش أصحابها تحت مظلة مجتمعية كبيرة تظل أكثر من خمسة ملايين شخص يعملون في مجالات هامشية تعيش عليها هذه الصناعة العملاقة.
ـ لا أجد غضاضة في توجيه النقد الموضوعي لهذه الصناعة، ولشيوخها في المرتبة الأولى، الذين هم الكبار، أعضاء مجلس اتحاد منتجي الدواجن، الذين يجب عليهم إفساح مقاعد للصغار ضمن الاتحاد، وذلك لسماع مشاكلهم أولا، ثم مقترحاتهم لتطوير صناعتهم، والسماح لهم بالمنافسة على عضوية مجلس إدارة الاتحاد، حتى لا يرون استنساخ آفة التوريث، فيكون ابن رئيس المجلس رئيسا أيضا، ويكون ابن العضو عضوا، وليظل المنتج الصغير هاتفا في بوق مثقوب، فلا يُسمع له رأي، ولا يلقى رجعا لصدى صوته المشروخ.
ـ مطلوب من اتحاد منتجي الدواجن تنفيذ عدد من المقترحات التي وضعها على أجندته منذ عدة أعوام، ومنها:
ـ النضال لتحرير حساب تعويضات المتضررين من منتجي الدواجن، من قبضة وزارة الزراعة وهيمنتها، وهي قبضة غير دستورية، كونه ليس صندوقا، لكنه حساب أنشئ في ظروف استثنائية، وهي أنفلوانزا الطيور التي اجتاحت مصر عام 2006، وليس لهذا الحساب إلا قرار إنشاء وزاري استثنائي، ومن المعروف أن الوزير لا يملك سلطات إنشاء صندوق أو حساب لجمع أموال، إلا بتشريع برلماني، أو قرار جمهوري.
ـ استثمار الأموال المجمدة في هذا "الحساب"، وهي أموال جميع العاملين في مجال صناعة الدواجن، لصالح المشروعات المدرجة على جدول أعمال الاتحاد، ومنها: إنشاء معهد لتدريب الكوادر الشابة في مجال الصناعة، والمساهمة في إنشاء شركة مساهمة مصرية لإنتاج اللقاحات المعزولة من "عترات مصرية"، والمساهمة في تأسيس شركة مساهمة مصرية لتسويق الدواجن.
ـ الاستمرار في مطالبة مجلس الوزراء لإجبار وزارة التموين على شراء الدواجن من المنتجين المصريين، بسعر التكلفة، إضافة إلى هامش ربح يعينهم على استمرار الإنتاجية.
ـ تمكين الكوادر الشابة من صغار المنتجين، وليس من أبناء الكبار، من عضوية مجلس الإدارة، والمنافسة أيضا على رئاسة الاتحاد، مع استمرار شيوخ المهنة في مؤازرتهم ومد يد العون لهم، وإمدادهم بالخبرات المتراكمة لدى هؤلاء الشيوخ.
وإذا كنا نوجه النقد للكبار، فلا مانع من أن نهمس أيضا في آذان الصغار، ومعظمهم للأسف، يتوارى خلف سواتر صناعية، ويلقي بالحجارة فقط، دون أن يبادر بالانضمام إلى عضوية الاتحاد رسميا، ودفع اشتراكات العضوية، وتأسيس قاعدة من الصغار الذين يعينونه على خوض منافسة انتخابات مجلس الاتحاد.
نعلم أن هذه النقطة ستلزم صغار المنتجين ـ كي يكونوا أعضاء أولا في الاتحاد، بإتمام أوراق العضوية، التي أساسها الانضمام إلى المنظومة الاقتصادية الرسمية للدولة، بالسجل التجاري، والبطاقة الضريبية، ورخصة تشغيل العنبر (وما يلزم الأخيرة من تطبيق قواعد الأمن الحيوي)، حتى يدخل ضمن المنظومة الرقابية للاتحاد، ولقطاع الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة، وتحت مظلة رقابة الهيئة العامة للخدمات البيطرية.
ـ الإسراع في توسيع قاعدة المشاركة في عضوية اتحاد منتجي الدواجن بصغار المنتجين، لما له من فوائد جمة، ويكفي أن يعلم جميع المربين الصغار، أن اتحادهم يمثل واحدا من عدد قليل جدا من الاتحادات النوعية في مصر، المنشأة بقرار جمهوري، وليس بقرار وزاري، وليس باتفاقية دولية مثل تلك الاتفاقيات التي أفرزت نقابات واتحادات عمالية وهمية تمارس النصب على أعضاء مستهدفين بالنصب.
* نهاية: من لم يمتلك مرجعية أو سندا لظهره في الحياة، فليشتريها، فما بال كل من يعمل في صناعة الدواجن أو غيرها من الصناعات الإنتاجية، أن يكون له اتحاد منشأ بقرار جمهوري، يحرسه كبار المنتجين، ولا يمتل