70 جنيها أجر الأرملة والعجوز في محطات تجهيز الصادرات الزراعية
عمال اليومية: الفقر أصعب من البرد والأمطار
لم يعبأ عمال فرز وتجهيز الحاصلات البستانية للتصدير، بمخاطر الصقيع والأمطار التي تسود أجواء البلاد شرقا وغربا، شمالا وجنوبا هذه الأيام، لا لشيء أكثر من الاحتياج الحاد لليومية.
يومية العامل 70 جنيها، تم تقديرها وربطها ضمن حسابات التكاليف في محطات التصدير، ومفارش تجهيز البصل والثوم للتصدير، "ومع قلتها، لا يمكن الاستغناء عنها"، وفقا للعم كامل أبو يوسف (64 عاما)، الذي لا يستطيع التكاسل عن الخروج للعمل يوما واحدا في الأسبوع، حتى لو داهمه المرض.
فرز الموالح وتجهيزها للتصدير بأياد خبيرة
يعول العم كامل أكثر من 8 أفراد، دخل بعضهم عمر الزواج، وأنجب، فأضاف هموما إلى همومه، "ولذلك لا غنى عن زمالة زوجته وبعض أولاده، وأحفاده اليافعين للعمل معه في محطة الصفا لتعبئة الفواكه والحاصلات الزراعية في طريق بلبيس - محافظة الشرقية".
نساء يعملن في تجهيز كراتين موالح التصدير
ناصر عبد الوهاب رئيس مجلس إدارة محطة "الصفا"، يشير إلى أن عدد صغار المصدرين في مصر يزيد على 1300 مُصدِّر، يفوزون بتصدير نحو 70٪ من حجم الصادرات الزراعية، ومعظمهم يملك محطات ومفارش تجهيز، والبعض الآخر يستأجر محطات أُنفِقِت فيها استثمارات هائلة، ما بين 50 و200 مليون جنيه للمحطة، حسب حجمها وحداثة تكنولوجيا خطوطها.
ناصر عبد الوهاب أثناء متابعة خطوط الفرز في المحطة
مليون وظيفة في محطات ومفارش تصدير الحاصلات
ويوضح ناصر أن كل مُصدِّر يوفر ما لا يقل عن 300 فرصة عمل مباشرة داخل محطته أو مفرشه، كما يكون سببا في توفير عدد مثيل من فرص العمل المعاونة للتصدير، مثل: عمالة الشحن، والسائقين، وعمالة تجميع البلتات، وعمالة مصانع الكرتون والصناديق البلاستيكية، وعمال جمع الحاصلات من مزارعها، وغيرهم، وذلك على مدار مواسم التصدير، التي لا تقل عن 200 يوم في العام، ما يعني أن هذه الفئة تساهم في الاقتصاد القومي المصري بنحو مليون فرصة عمل.
ويلفت ناصر عبد الوهاب النظر إلى دراسة قديمة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، والتي أثبتت أن فرصة العمل الواحدة في مصر تكلف اقتصاد الدولة نحو 500 ألف جنيه، ما يعني أن تصدير الحاصلات الزراعية يساهم في جانب التشغيل فقط بنحو 500 مليار جنيه.
من جهته، قال محمد فرغلي صاحب شركة الجنوب للتخليص الجمركي والاستيراد والتصدير، إن وقف التصدير لأي ظرف دولي أو محلي، يطبع أجواء الموانئ بطابع المآتم، حيث خسارة عمال الشحن والتفريغ المساعدين، وسائقي البرادات والشاحنات فرص عمل تمثل لهم ولعائلاتهم مصدر الدخل الوحيد.
عمالة محطات التصدير أمن مجتمعي
وأكد فرغلي أن المصدرين يساهمون في الأمن المجتمعي المصري من خلال تشغيل المهمشين وأبناء الأسر الأكثر فقرا، إضافة إلى تشغيل عمالة لا تقبلها أوساط عمل صناعية أو فلاحية شاقة، حيث يكون معظمهم من كبار السن وغير الحرفيين.
وعودة إلى ناصر عبد الوهاب صاحب محطة "الصفا"، حيث يصف عمالة محطات التصدير بالتنوع، بين عمال اليومية (الورديات)، من طالبات وطلاب المدارس، موضحا أن هناك أسر بأكملها تعمل في محطته منذ ما يزيد على 12 عاما (أب، وأم، وابن، وحفيد).
نسبة دعم الصادرات الزراعية
ويطالب ناصر عبد الوهاب، وهو عضو المجلس التصديري للحاصلات الزراعية، يطالب بضرورة زيادة نسبة دعم نشاطهم، على حساب قطاعات تصديرية أخرى، تتميز بانعدام احتمالات الخسارة، كون بضائعهم غير قابلة للتلف، مؤكدا أن بعض المعوقات قد تتسبب في إتلاف حاصلات زراعية بكميات كبيرة، تلتهم بند "رد الأعباء".
ويرى ناصر عبد الوهاب صاحب محطة الصفا، ومحمد فرغلي صاحب شركة الجنوب للتخليص الجمركي، أن مصر لديها فرصة لرفع حجم الصادرات المصرية إلى 10 ملايين طن، شرط تخفيف أعباء المصدرين، مثل: الجمارك، والضرائب، وبعض الرسوم الأخرى التي لا تجد لها مثيلا في الدول الأخرى المنافسة على نفس الأسواق.
شركاء لا أجراء .. حقيقة وليس شعارا
ولا ينسى ناصر عبد الوهاب موقفا مسجلا في تاريخ عمله في هذا المجال (35 عاما)، حيث شب حريق هائل في مخزن الكرتون المجاور لمنطقة خزن السولار، ومحول الكهرباء، ويومها سجلت النساء الأرامل والعجائز موقفا نبيلا، "حيث كن يملأن حجورهن بالرمال ويلقون بها وبأنفسهم وسط ألسنة اللهب، حتى تمت السيطرة على الحريق بجهودهن، قبل وصول سيارات الدفاع المدني".
وأقسم ناصر أنه بكى فرحا من موقف العمال (رجال ونساء)، الذين رفضوا بشدة تلقي مكافأة مالية نظير إطفاء الحريق، مبررين أنهم كانوا ينقذون مشروعهم الذي يمثل باب رزق لهم ولأسرهم.