صناعة الدواجن «للخلف در».. كيف انتقلنا من الاكتفاء الذاتي لإستيراد بيض الأجانب؟
للخلف در، شعار ينطبق تماماً على مصر، وتحديداً في إنتاج بيض المائدة، الذي كانت صناعته - قبل عامين، نموذجًا للنجاح في السوق المحلي، حيث حققت بلادنا الاكتفاء الذاتي من البيض، بل وبدأت في تصدير منتجاتها إلى الدول المجاورة.
وياه للعجب، فقد أعلنت مصر إستيرادها لبيض المائدة، وذلك للمرة الأولى منذ أكثر من 40 عامًا، و تأتي هذه الخطوة في ظل تراجع إنتاج البيض المحلي بمستويات قياسية.
وأعلنت الحكومة عن تعاقدها لاستيراد 30 مليون بيضة مائدة من تركيا، أي ما يعادل مليون طبق، وسيتم توزع الكمية المستوردة على دفعات خلال شهر نوفمبر الجاري، حيث تستهدف وزارة التموين، توفير البيض للمستهلكين، من خلال المنافذ التابعة لها.
و اليوم تبدل الحال، واختلفت الصورة تمامًا، و شهدت الأسعار ارتفاعًا تاريخيًا، لتأتي الحكومة بقرارها الحتمي، باستيراد البيض من جيراننا، بعدما كانت الشركة الوطنية العامة للدواجن، التي تأسست في فترة الستينيات خصيصاً، لاهتمام مصر بأهمية البروتين الداجني.
نذكر هنا أيضاً، انه وعلى مر السنوات، شهد سعر البيض تقلبات طفيفة، حيث تحرك صعودًا، ليتجاوز سعر البيضة حاجز الجنيه المصري لأول مرة في العام 2017، ثم ارتفع إلى أكثر من جنيهين في 2021، ليصل الآن إلى نحو 6 جنيهات.
و تمكنت الصناعة الداجنة، من تحقيق ذروة نجاحها في عام 2021 بإنتاج أكثر من 14 مليار بيضة مائدة، وفقًا لتقديرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وجاءت الحرب الروسية الأوكرانية، لتربك سلاسل التوريد وترتفع أسعار الحبوب، وتأثر السوق المحلي من هذا الصراع السياسي العسكري، خاصة ان مصر تعتمد بشكل كبير على منطقة البحر الأسود لاستيراد الحبوب، وخاصة الذرة والصويا، المكون الأساسي للأعلاف، حيث تستورد نحو 80% من خاماتها.
وفي عام 2022، شهد السوق المصرية ندرة بشأن توفير العملة الصعبة اللازمة للإفراج عن الشحنات في الموانئ، مما أدى إلى تراكم السلع، بما في ذلك مكونات الأعلاف التي اختفت من الأسواق، وظهرت في السوق السوداء بأسعار مرتفعة للغاية.
كل هذا انعكس بشكل كبير على أسعار أعلاف الدواجن البياضة، حيث بلغ سعر الطن منها 16 ألف جنيه في نوفمبر، بزيادة تصل إلى 124% مقارنة بنفس الشهر في عام 2021.
وتمثل الأعلاف أكثر من 75% من تكلفة إنتاج البيضة، مما يجعل استقرار أسعار البيض مرتبطًا بشكل مباشر باستقرار أسعار الأعلاف.
وتحت ضغط المناشدات والنداءات فيما يخص توفير الحبوب والأعلاف، بدأت الحكومة في الإفراجات الجمركية، ولكن لم تكن الكميات المفرج عنها كافية، كما عانت عملية الإفراجات من سوء التنظيم، مما زاد من تفاقم الأزمة.
هذا التصعيد، تسبب بفشل آلاف المربين في الصمود أمام كل هذه التحديات، مما دفعهم إلى إعدام الكتاكيت بعد عجزهم عن إطعامها، وبيع الدجاج البياض كدجاج للتسمين، مما أدى إلى انسحابهم من القطاع الداجني، وبالتالي قلصت المزارع العاملة إنتاجها، بسبب ارتفاع التكاليف وانخفاض الطلب في الوقت نفسه.
في ختام عام 2022، تجاوز سعر طبق البيض 90 جنيهًا، بعد أن كان 46 جنيهًا في نفس الفترة من عام 2021، كما انخفض إنتاجنا بأكثر من مليار بيضة، ليصل إلى 13 مليار بيضة مائدة، وفقًا لآخر تقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
و في عام 2023، واصل السوق نزيفه واستمر تدهور القطاع الداجني، وارتفعت الأسعار، وانخفضت الإنتاجية إلى أقل من 12 مليار بيضة، و زاد سعر طبق البيض إلى 144 جنيهًا.
و في مطلع عام 2024، لم تظهر أي مؤشرات إيجابية أو بوادر على التحسن، ليصل سعر طبق البيض إلى أكثر من 200 جنيه في سبتمبر الماضي.
وأرجع خبراء قطاع الإنتاج الداجني ذلك التدهور، إلى حاجة المزارع لفترات لا تقل عن خمسة أشهر، من أجل إحلال قطعان الدواجن البياضة بقطعان جديدة، بعد توقفهم عن تجديد قطعانهم لفترات طويلة نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج وزيادة أسعار كتاكيت الجدود والأمهات.
ولم يكن تراجع إنتاج البيض، الذي انخفض إلى ما بين 6 و8 مليارات بيضة خلال العام الجاري، ومحاولة تقليص الخسائر، هما العوامل الوحيدة وراء ارتفاع الأسعار، بل أشار الشرفاء إلى اتهام السماسرة الذين يتلاعبون بالأسعار فيما بينهم، مما يعد انتهاكًا لقانون الممارسات الاحتكارية.
وبالفعل، تحركت الحكومة، ورفعت دعوى ضد بعض المتورطين، وانتهت القضية بتغريم أربعة منهم بمبلغ 20 مليون جنيه، ولكن لم يكن هذا كافياً.
وواصلت الأسواق تأثرها بشكل كبير بعشرات البورصات غير الرسمية المتداولة عبر منصات السوشيال ميديا، التي استغلت غياب بورصة الدواجن الرسمية، وتكشف ذلك للجهات الرقابية، و أدين بعض القائمين على هذا الشأن الغير شرعي، بتهم تتعلق بالاحتكار.
و نعود مرة أخرى إلى قرار الحكومة، الذي انتقده أغلب المختصين، وأعتبروا قرار الاستيراد بمثابة تهديدًا للصناعة المحلية للإنتاج الداجني، التي تعاني من أجل البقاء، كما شهدت أعداد محطات البحث المُنتجة للدواجن انكماشًا ملحوظاً، حيث انخفضت من 13 محطة إلى 6 محطات فقط، على مدار 40 عامًا.
الزراعيون المختصون بالثروة الداجنة، دعوا إلى ضرورة التوسع في زراعة مكونات الأعلاف مثل الصويا والذرة الصفراء، بالإضافة إلى استثمار الدولة في توطين إنتاج الجدود في مصر.
هذا الأمر لم يكن غريباً علينا، حيث كانت مصر من الدول الرائدة في توطين صناعة سلالات الدواجن المحلية، حيث أنشأت معهد بحوث الإنتاج الحيواني في حقبة الخمسينيات.