شراكة ناجحة بين القطاعين العام والخاص تنقذ صادرات الفاكهة في جنوب أفريقيا من آفة مدمرة

على مدى أكثر من عقد من الزمان، شكلت جنوب أفريقيا نموذجا يحتذى به في التعاون بين القطاعين العام والخاص لمكافحة واحدة من أخطر الآفات الزراعية عالميًا، وهي ذبابة فاكهة البحر الأبيض المتوسط (Ceratitis capitata). وقد أثبت هذا النموذج فعاليته لدرجة أن مجموعة التخطيط الاستراتيجي للاتفاقية الدولية لوقاية النباتات (IPPC) أوصت، في اجتماعها في أكتوبر 2024، بتطبيق نهج مشابه لمكافحة آفات اقتصادية أخرى مثل فطر الفيوزاريوم TR4 المدمّر للموز.
فاكهة جنوب أفريقيا في مرمى الخطر
تُعد صناعة الفاكهة ركيزة اقتصادية أساسية لجنوب أفريقيا، إذ تنتج أكثر من 4.7 مليون طن سنويًا، وهو ما يمثل أكثر من 50% من صادراتها الزراعية و2.5% من ناتجها المحلي الإجمالي. تُصدّر البلاد أكثر من 900 ألف طن من الفاكهة المتساقطة، مولّدةً عائدات تصل إلى 11 مليون دولار سنويًا، وتوظف 460 ألف شخص بشكل مباشر.
لكن ذبابة الفاكهة المتوسطية تهدد هذه الصناعة بشدة، إذ تتلف محاصيل مثل الموالح والبطيخ والطماطم والفلفل الحلو، مما يجعلها غير صالحة للتسويق أو الاستهلاك، وتفرض أعباء كبيرة على المزارعين من حيث التكاليف والجهد المبذول في المكافحة.
تقنية بيئية فعالة: الحشرات العقيمة
استجابةً لهذا التحدي، أطلقت الحكومة في أواخر التسعينيات برنامجًا تجريبيًا يعتمد على تقنية الحشرات العقيمة (SIT) في كيب الغربية، وهي طريقة صديقة للبيئة تقوم على إطلاق ذكور عقيمة من ذبابة الفاكهة، لمنع تكاثرها بشكل طبيعي. ورغم التحديات التمويلية، نجح البرنامج في إنتاج 5 ملايين ذبابة ذكر عقيمة أسبوعيًا، تم إطلاق 500 منها لكل هكتار من الأراضي الزراعية.
بحلول عام 2003، تم خصخصة البرنامج وتحويله إلى شركة FruitFly Africa (Pty) Limited. ومع ظهور تحديات جديدة في التمويل، نشأت الحاجة إلى نموذج دعم مستدام يُشرك جميع الأطراف.
نموذج تمويلي متوازن يغير المعادلة
في عام 2009، أُطلقت شراكة قوية بين المزارعين ووزارة الزراعة والغابات ومصايد الأسماك، يقوم فيها كل طرف بتمويل 50% من البرنامج. وأدى ذلك إلى تحديث منشآت التربية الجماعية، وتحسين إنتاج الذباب العقيم، وتوسيع نطاق التغطية.
وبحلول عام 2023، ارتفع إنتاج الذباب العقيم إلى 65 مليون ذكر أسبوعيًا، أي بزيادة 1200% مقارنة بالبداية. وشمل البرنامج مساحة 40 ألف هكتار من مزارع الفاكهة المتساقطة وعنب المائدة، وأسهم في خفض أعداد الذباب البري بنسبة 73%.
كما طُبّق نهج متكامل لإدارة الآفات (AW-IPM)، وتم إدخال مصائد طُعم قائمة على مبيد سبينوساد البيئي بدلاً من الفوسفات العضوي الضار، مما زاد من استدامة البرنامج وفعاليته.
نتائج ملموسة وشهادات رضا
صرّح جان هندريك فينتر، مدير إدارة صحة النبات، أن "نجاح البرنامج يعود إلى تحليله الدقيق للتكاليف والعوائد، إضافة إلى البحوث المستمرة التي تدعمه". من جهتها، أكدت شركة هورتغرو، الممثلة للمزارعين، أن البرنامج حسّن مستوى مكافحة الآفات، وقلّل من حالات رفض الصادرات بسبب بقايا المبيدات أو الإصابة بالآفات.
وقد انعكست هذه الجهود على الواقع، حيث ارتفعت صادرات الفاكهة من 558 ألف طن إلى 1.02 مليون طن، أي بنمو بلغ 83%، مما عزز الأمن الغذائي، وخلق فرص عمل، ودعم الاقتصاد الوطني.
نحو آفاق إقليمية أوسع
دُمج هذا النموذج الناجح ضمن مشروع إقليمي ممول من مرفق المعايير وتنمية التجارة التابع لمنظمة التجارة العالمية، بهدف إنشاء مناطق خالية أو منخفضة الانتشار من ذباب الفاكهة في جنوب أفريقيا وموزمبيق، ما يزيد من فرص النفاذ إلى الأسواق العالمية ويعزز الاستدامة الزراعية في المنطقة.