الأرض
السبت 12 يوليو 2025 مـ 03:38 صـ 16 محرّم 1447 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

مصر تعلن الطوارئ لمواجهة تحديات الأمن الغذائي

تحديات الأمن الغذائي
تحديات الأمن الغذائي

أكدت الدكتورة ناهد عبد المقتدر الوحش، باحث أول بقسم بحوث الألبان في معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية، أن مصر تواجه تحديات متشابكة في قطاعي الغذاء والتغذية، تتداخل فيها أبعاد ديموجرافية واقتصادية وبيئية وصحية.

ويأتي على رأس هذه التحديات النمو السكاني المتسارع وتآكل الموارد الطبيعية، وعلى وجه الخصوص المياه والأراضي الزراعية، وهو ما يمثل ضغطًا هائلًا على منظومة الأمن الغذائي.

وأشارت إلى أن الحكومة المصرية في الأول من يوليو 2025، أعلنت عن إطلاق الخطة التنفيذية الوطنية لنظم الغذاء والتغذية 2025–2030، وهي خارطة طريق متعددة المحاور تهدف إلى بناء نظام غذائي ذكي مناخيًا، عادل اجتماعيًا، ومستدام اقتصاديًا، بما يتماشى مع رؤية مصر 2030 والاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي والتغذية.


كما كشفت الأزمات العالمية المتلاحقة مثل جائحة "كوفيد-19"، وتعطل سلاسل الإمداد، والتوترات الجيوسياسية، عن مواطن ضعف خطيرة في نظم إنتاج وتوزيع الغذاء، مما عزّز الحاجة إلى إعادة هيكلة السياسات الغذائية لتكون أكثر مرونة وكفاءة وعدالة واستدامة.

أهداف جريئة وتحولات هيكلية

الخطة الوطنية الجديدة لا تكتفي بمجرد تحسين مؤشرات التغذية، بل تستهدف إحداث تحولات هيكلية شاملة في المنظومة الغذائية، عبر تعزيز الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الاستراتيجية، وخفض الفاقد الغذائي، ورفع كفاءة الإنتاج الزراعي، مع مراعاة الجوانب البيئية.

وتشمل أبرز الأهداف الاستراتيجية للخطة:

كسر حلقة سوء التغذية عبر تحصين الخبز بالحديد والفوليك، وتدعيم الملح باليود، وتوسيع نطاق برامج التغذية المدرسية ومبادرات "الألف يوم الأولى".

خفض معدلات السمنة والأمراض غير المعدية من خلال إجراءات وقائية، أبرزها فرض ضرائب على المشروبات المحلاة، والفحص الصحي المدرسي الذي شمل 3 ملايين تلميذ في 2023.

تعزيز إنتاج الحبوب الإستراتيجية، خصوصًا القمح، عبر مشاريع استصلاح كبرى مثل "الدلتا الجديدة"، وتطبيق تقنيات الري الحديث لتقليل الفاقد.

تقليص الفاقد والهدر الغذائي بنسبة تصل إلى 50%، من خلال بنوك الطعام، وسلاسل تبريد بالطاقة الشمسية، وتشريعات تحفز القطاع الخاص على تقليل الهدر.

دمج المناخ في السياسات الزراعية، من خلال إلزام المشاريع الزراعية بتقييم الأثر الكربوني والمائي وربط الدعم الحكومي بالممارسات الذكية مناخيًا.


إطار مؤسسي متكامل وحوكمة فعالة

يقود تنفيذ الخطة اللجنة الوطنية لنظم الغذاء والتغذية برئاسة وزير الصحة ونائب رئيس الوزراء، وعضوية 11 وزارة وهيئة وطنية، بدعم من شركاء دوليين ووكالات أممية. ويستند التنفيذ إلى نظام متابعة وتقييم قائم على مؤشرات أداء رئيسية (KPIs)، إضافة إلى تخصيصات مالية موجهة بالنتائج، بما يضمن الشفافية والمساءلة.

محاور هيكلية مترابطة

1. الحوكمة والرقمنة

تشمل تطوير السياسات الرقمية، وربط الميزانيات بالنتائج، وإنشاء "المرصد الوطني للتغذية" لتكامل بيانات الصحة والزراعة والتموين.

2. العدالة الغذائية والحماية الاجتماعية

إطلاق "الكارت الموحد" لتحديث بيانات التموين، وتوفير سلة غذائية صحية مدعومة تحتوي على ألبان مدعمة بفيتامين "د" والكالسيوم للفئات الأولى بالرعاية.

3. الاستثمار في الطاقة النظيفة

منح حوافز ضريبية لمشاريع الطاقة الشمسية في سلاسل التبريد والتصنيع الغذائي، مع خفض كثافة الطاقة بمصانع الأغذية بنسبة 20% بحلول 2030.

4. تعزيز البحث والابتكار الزراعي

دعم تطوير أصناف مقاومة للملوحة والجفاف، وربط البحث العلمي بالمزارع التجريبية، وتطبيق الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالآفات.

5. كفاءة استخدام الموارد

تعميم الري بالتنقيط والرش على مليونَي فدان إضافية، وإنشاء ثلاث محطات لمعالجة مياه الصرف الزراعي.

آليات تنفيذ مرنة وشفافة

الخطة تقسم إلى ثلاث مراحل زمنية، وتضم أكثر من 63 مشروعًا وطنيًا، بتمويل مرن يشمل الموازنة العامة وقروضًا ميسّرة وشراكات مع القطاع الخاص مدعومة بحوافز خضراء. ويتم نشر البيانات دوريًا على بوابة إلكترونية تفاعلية تسمح للمجتمع المدني والباحثين بمراقبة الأداء وتقديم الملاحظات.

رؤية طموحة رغم التحديات

رغم التحديات التي تواجهها الخطة، مثل الفجوة المائية وتقلب أسعار الحبوب وتغير المناخ وتداخل الصلاحيات المؤسسية، فإن هناك فرصًا حقيقية لتعظيم الأثر التنموي، أبرزها:

التوسع في التأمين الزراعي.

تبني الزراعة الذكية مناخيًا.

دعم التكامل الإقليمي في تجارة الحبوب داخل تجمعات مثل "الكوميسا".

تطوير منصة بيانات موحدة تربط التمويل بالأداء.


نحو تحول غذائي شامل وعادل

تؤكد د. ناهد أن هذه الخطة تختلف عن أي خطة سابقة، إذ لا تكتفي بالدعم السلعي أو الحلول الجزئية، بل تنتهج نموذجًا شاملًا ومتكاملًا يربط بين الحوكمة الرقمية، والتمويل المبتكر، والبيانات المفتوحة، والتدخلات المستندة إلى الأدلة.

وتضيف أن نجاح الخطة لا يتوقف فقط على وضوح رؤيتها، بل على قدرتها الفعلية على تحقيق التنسيق بين القطاعات الحكومية، واستجابتها السريعة للتغذية الراجعة من المجتمع والبحث العلمي. فمصر اليوم أمام فرصة ذهبية لإعادة رسم منظومتها الغذائية بشكل يحقق السيادة الغذائية، ويحسن الصحة العامة، ويحمي البيئة من أجل الأجيال القادمة.

التوصيات الختامية

1. تسريع التحول الرقمي في نظم المتابعة والتقييم.


2. دعم الابتكار الزراعي والمناخي من خلال شراكات أكاديمية وتجارية.


3. توسيع شبكات الحماية الغذائية في القرى الأكثر ضعفًا.


4. تعزيز الاستثمارات في الطاقة النظيفة داخل سلاسل الغذاء.


5. بناء شراكات إقليمية قوية لتحسين الأمن الغذائي.