الأرض
الأحد 13 يوليو 2025 مـ 06:04 صـ 17 محرّم 1447 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

استصلاح الأراضي بوابة مصر للسيادة الغذائية الكاملة

قال الدكتور علي إسماعيل، أستاذ الأراضي والمياه بمركز البحوث الزراعية، في ظل عالم يضج بالأزمات، كشفت جائحة "كوفيد-19" والحرب الروسية الأوكرانية هشاشة سلاسل الإمداد العالمية، لترفع الستار عن خطر يهدد استقرار الدول النامية ذات الكثافة السكانية العالية، ومنها مصر، حيث أصبح الأمن الغذائي ليس مجرد مطلب اقتصادي، بل قضية أمن قومي.

الأمن الغذائي في قلب الأمن القومي

ويرى، أستاذ الأراضي والمياه بمركز البحوث الزراعية، أن ضمان الغذاء يمثل حجر الزاوية في منظومة الأمن القومي المصري، خصوصًا مع تصاعد وتيرة التحديات العالمية التي أثرت على حركة التجارة الدولية وتوريد السلع الأساسية.

وأشار إلى أن هذه الأزمات أدت إلى تضاعف أسعار الغذاء عالميًا، واضطراب سلاسل التوريد، وتراجع مخزون السلع الاستراتيجية، ما فرض على الدول المستوردة، كمصر، البحث عن حلول محلية تضمن الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الخارج.

الاعتماد على الاستيراد.. فجوة تهدد الاستقرار

وأوضح أن مصر تعتمد على استيراد نسب كبيرة من السلع الغذائية الأساسية، حيث تستورد أكثر من 60% من احتياجاتها من القمح، وما يتجاوز 90% من الزيوت النباتية، إضافة إلى كميات كبيرة من اللحوم ومنتجات الألبان. هذا الاعتماد يجعل البلاد عرضة للتقلبات الدولية، ويستدعي تحركًا استباقيًا لتقليص هذه الفجوة الغذائية.

مشروعات قومية لاستصلاح الأراضي.. طريق الاستقلال الغذائي

وتابع أن ضمن استراتيجية طموحة لتحقيق الأمن الغذائي المستدام، أطلقت الدولة المصرية عدة مشروعات قومية عملاقة في مجال الزراعة واستصلاح الأراضي، كان أبرزها مشروع "الدلتا الجديدة"، الممتد على أكثر من 2.2 مليون فدان غرب الدلتا، بهدف خلق مجتمع زراعي وصناعي متكامل.

وفي قلب هذا المشروع ينبض "مستقبل مصر"، الذي يقع على محور الضبعة، شمال طريق القاهرة، الواحات، ويعد نموذجًا للتوسع الزراعي الذكي، معتمدًا على نظم ري حديثة مثل الري المحوري والتنقيط، باستخدام مياه صرف زراعي معالجة من محطات مثل "المحسمة" و"الحمام"، إلى جانب المياه الجوفية.

ويضم المشروع مجمعات زراعية وصناعية، ومصانع لتعبئة وتغليف الخضر والفاكهة، ووحدات لإنتاج الأعلاف والمخصبات، ما يسهم في توفير أكثر من 200 ألف فرصة عمل، وتقليص الفجوة في محاصيل الحبوب والزيوت والسكر، فضلًا عن تعزيز القدرة التصديرية لمصر.

توسع زراعي في سيناء وتوشكى والعوينات

لم تقتصر استراتيجية الدولة على مشروع "الدلتا الجديدة"، بل امتدت إلى شرق العوينات حيث يُزرع أكثر من 220 ألف فدان بمحاصيل استراتيجية، وتوشكى التي تشهد استصلاحًا يتجاوز نصف مليون فدان باستخدام مياه نهر النيل عبر قناة الشيخ زايد، بالإضافة إلى مناطق الوادي الجديد (الداخلة، الخارجة، الفرافرة) التي تُدرج ضمن مبادرات "حياة كريمة" و"مستقبل مصر الجديد".

كل هذه الجهود تُسهم في تحقيق الاكتفاء من القمح والزيوت والسكر، وتقليل الحاجة إلى الاستيراد، ودفع الصادرات الزراعية إلى الأمام، بجانب توفير فرص عمل وتنمية عمرانية متكاملة.

الثروة الحيوانية.. سد الفجوة البروتينية

في موازاة التوسع الزراعي، تعمل الحكومة على تطوير قطاع الثروة الحيوانية من خلال برامج متعددة:

مشروع تسمين البتلو.

تحسين السلالات المحلية.

دعم صغار المربين بقروض ميسرة.

تطوير منظومة الأعلاف والتحصينات البيطرية.


كما يشمل التطوير تحديث المجازر ومراكز تجميع الألبان لتحسين جودة المنتجات الحيوانية ودعم الصناعات الغذائية، بالإضافة إلى إقامة مزارع متطورة تعمل بأنظمة إدارة حديثة.

الاستزراع السمكي.. كنز في قلب الماء

وعلى صعيد آخر، برز الاستزراع السمكي كمصدر مهم للبروتين الحيواني، مع مشروعات كبرى مثل:

مشروع غليون في كفر الشيخ، الذي يُعد الأكبر من نوعه في المنطقة.

مشروع الفيروز، وتطوير بحيرة السد العالي.

تحديث أسطول الصيد ومنظومة الاستزراع البحري.


وقال إن هذه الجهود ساهمت في رفع إنتاج مصر من الأسماك إلى أكثر من مليوني طن سنويًا، ما حسّن نصيب الفرد من البروتين وخلق آلاف فرص العمل، خاصة في المناطق الساحلية.

تحديات مستمرة تتطلب حلولًا ذكية

ورغم التقدم الملحوظ، لا تزال هناك تحديات تتطلب تدخلًا حاسمًا:

ندرة المياه: تستوجب تعميم نظم الري الحديث ومعالجة مياه الصرف.

التغيرات المناخية: تتطلب تطوير أصناف زراعية مقاومة للحرارة والملوحة.

التسويق واللوجستيات: تحتاج إلى بنية قوية لربط مناطق الإنتاج بالأسواق.


رؤية تنموية شاملة تقود المستقبل

وضعت الدولة استراتيجية متكاملة لتحقيق الأمن الغذائي تتضمن:

التوسع الزراعي الأفقي في الصحراء.

تطوير الإنتاج الحيواني والسمكي.

استخدام الزراعة الذكية والميكنة الحديثة.

إنشاء جهاز "مستقبل مصر للتنمية المستدامة".

تطوير منظومة الري واستخدام المياه غير التقليدية.

ولفت، يُعد مشروع "مستقبل مصر" داخل "الدلتا الجديدة" نموذجًا حيًا لقدرة الدولة على تحويل التحديات إلى فرص تنموية، يؤسس لمرحلة جديدة من الاستقلال الغذائي والتنمية المستدامة.