لجنة المهندس محلب، المشكلة بقرار جمهوري بهدف "استرداد أراضي الدولة المنهوبة"، لجنة هدفها نبيل، يتجسد في استرداد الأراضي التي نهبها متسلطون متسببون، زاوجوا قديما بين السلطة والنفوذ، فاغتنموا الفرص، ووضعوا أياديهم على آلاف الأفدنة، في مواقع استراتيجية، سقعوها قليلا، ثم باعوها بـ "الغلا والكوى"، لمساكين، وفروا هاربين.
زرع المساكين الأرض، على اعتبار أنهم اشتروا من أناس "واصلين"، وأنها أراض بعقود سليمة، ثم طار الناهبون الأصليون إلى حيث لا يعلم أحد، وتركوا في مهب الريح الزارعين الحاصدين المضيفين إلى مصر مساحات منزرعة، كانت سببا في زيادة الغلة الإنتاجية لمصر من القمح، والخضروات والفواكه، وكانت سببا في تصدير ما لا يقل عن 1.2 مليون موالح، ونحو 700 ألف طن بطاطس عام 2015.
استسهلت اللجنة في مقرها الكائن في أرفع وأحصن موقع، تجميع الأموال بطريقة إدخال الرهبة في القلوب، فاستقبلت رجال أعمال ذهبوا إليها دون دعوة في مقر اللجنة، فطلبت منهم بكل "بساطة" توقيع شيكات بـ 25 % من قيمة أراضيهم "مقدما"، لحساب صندوق أطلقوا عليه اسم "صندوق حق الشعب".
ـ كل من ذهب إلى هذه اللجنة في مقر اجتماعاتها الحصين، وجد نفسه في "حيص بيص"، حيث قال بعضهم إنهم لجأوا إلى اللجنة كالمستجير من نار هيئة التعمير، بـ "برد وسلام" لجنة مسؤولة تم تشكيلها لتقدير كل من اجتهد وحول الأرض الرملية إلى خضراء مثمرة، يعيش عليها عاملون بعائلاتهم، وكانت سببا مباشرا وحيدا في تنمية عمرانية في مناطق، لم تكن الدولة قادرة على الوصول إليها، فوجدوا أنفسهم متهمين بنهب "حق الشعب".
ـ ظن رجال الأعمال الوطنيون، وليس "المسقعين الناهبين"، أنهم وجدوا الطريق ممهدا لدفع ما على أراضيهم من أموال للدولة، كثمن عادل ومشروع، مع احتساب نسبة التضخم الطبيعية، فوجدوا استقواءا غير متوقع، ولغة جافة تفتقد المسؤولية تماما. وبدون معرفة موقع الأرض، ولا نوع زراعتها، ولا نوع المياه التي تروى بها، ولا حجم المجهود المبذول فيها، ولا الأموال التي أنفقت عليها، وضعوا تقديرات جزافية، إذ كانوا يسألون أصحاب الأراضي: أرضك مزروعة إيه؟
فإذا كانت الإجابة مانجو أو عنب، سحب المسئول نفسا عميقا، وأصدر القرار الذي يحسبه نهائيا لا راد له: يعني الفدان يساوي عندك 250 ألف جنيه .. يا سيدي إحنا هنحسبهولك بـ 150 ألف بس للدولة، واكتب شيك حالا بربع قيمة المساحة الإجمالية، وبعدين نبقى نبعت اللجنة تحصر، وترفع المساحة، عشان تدفع الباقي على ثلاث سنوات.
ـ كان رجال الأعمال المصابين بالحسرة، قد أخذوا على عواتقهم تنمية صحاري مصر، بدعوات من محافظي المنيا، والبحيرة، وكفر الشيخ، والدقهلية، وغيرها، من تلك المحافظات التي تملك ظهيرا صحراويا، وبدأوا توجيه استثمارات، بعضها كان متاحا كمدخرات، ومعظمها تم الحصول عليه كقروض من البنوك، وبعضها كان استثمارات أجنبية من شركاء عرب وثقوا فيهم، فأقاموا البنى التحتية، من طرق، وكهرباء، وحفروا الآبار الجوفية، بعد دراسات جيولوجية لتحديد مستوى الماء الجوفي وكمياته، ومدى صلاحيته وكفايته لزراعة مستدامة، ووثقوا جهودهم في أوراق وخرئط، وسددوا الرسوم المطلوبة منهم للمحافظات، لصالح هيئة مشروعات التعمير والتنمية الزراعية، وفقا للقوانين واللوائح، ولم يكن يخطر في بالهم، أن توضع أسماؤهم في قائمة "الناهبون"، ومشاريعهم ضمن قائمة "أراضي الدولة المنهوبة".
ـ بعد أن فشلت لجنة محلب في الإيقاع بأي من هؤلاء الزارعين الوطنيين حقا، في فخ "حق الشعب"، وبعد أن قاربت سبعة أشهر من العمل، وإنفاق الملايين في الرواتب والمكافآت والتنقلات، و"حرق البنزين"، استسهلت الأمر، فلجأت إلى إحدى الشركات التي أعلنت عدم قدرتها على زراعة مساحات شاسعة كانت قد حصلت عليها بنظام "وضع اليد"، وتوصلت معها إلى حل يقضي بالتنازل عن 23 ألف فدان، ثم استسهلت الأمر أيضا بضم مساحات منزرعة لمساكين اشتروها من "مسقعين ناهبين"، حيث تم انتزاع ملكيتها مكتبيا.
ـ تم طرح المساحة المعلن عنها 33 ألف فدان في مزاد علني في مقر هيئة التعمير، وبدأ التطاحن، والتلاسن، والهمز واللمز، أثناء المزاد وبعده، وكانت حصيلة البيع 67 مليون جنيه، بعد طحن استمر نحو سبعة أشهر، لتكون النتيجة المتوقعة معارك بالأسلحة النارية حين يحين وقت التسليم والتسلم، ما بين الذين اشتروا في المزاد (تجار لا يعرفون شيئا عن الزراعة)، وما بين الزارعين الحقيقين واضعي اليد على الأراضي، الذين لم يتمكنوا من الشراء، بسبب الأسعار الجزافية التي تمخض عنها مزاد قاس، يفتقد الرأفة، والمهنية، وحسن التقدير.
ـ أظن أنه ليس في لجنة محلب، من يتخصص في "أراضي الدولة"، وكل ما حدث أن تم تشكيل اللجنة وفقا للنظم الحكومية المتبعة، رئيس، وأعضاء، ومستشار قانوني يمثل مجلس الدولة، وأمين، وأمين صندوق، ثم خبراء، والطامة الكبرى في "الخبراء"، الذين منهم تجار أراض صحراوية، ومتسببين ومنتفعين، استماتوا في التدليس على "المسقعين الهاربين" على الهواء مباشرة، في أحد برامج الـ "توك شو"، حين طالب أحد الضيوف وهو نائب برلماني محترم، بضرورة تتبع "الناهبين" الحقيقيين، الذين حصلوا على آلاف الأفدنة بسعر 50 جنيها للفدان، فحولوها إلى منتجعات، وباعوها للغير بسعر 200 ألف جنيه للفدان، ثم هربوا.
ـ وإذا كان قدرنا أن يتم تشكيل اللجان على طريقة النظم الحكومية العقيمة، فليس أمامنا سوى النصيحة، وفتح الأبواب المغلقة، إذا أرادوا الحقيقة، وإذا إرادوا تحقيق إنجازات ملموسة، تصب في صالح الوطن والمواطنين.
* يوجد الكثير من أراضي الدولة المنهوبة فعلا، سواء زراعية صحراوية، أو مملوكة لهيئة الأوقاف المصرية، وتم نهبها، وإقامة مشاريع عملاقة عليها، سواء في الدقهلية، أو في كفر الشيخ، أو في دمياط، أو على الطريقين الصحراويين "الأسماعيلية، والإسكندرية، وطريق أسيوط الغربي".
أراضي الأوقاف أقيمت عليها مشاريع أهلية، تقدر قيمتها بالمليارات، وتدر حاليا مليارات دورية، في صورة كليات ومعاهد ومدارس خاصة، وأضاعت المحسوبيات كل الأوراق المؤدية إلى تحصيل أثمانها لصالح الدولة، سواء أموال الوقف أو أموال أملاك الدولة.
* يوجد نحو 3 ملايين فدان صحراوية منزرعة منذ أكثر من عشرة أعوام، وهي بنظام "وضع اليد"، وبسبب انتزاع حق تقنين وضع اليد من صلاحيات هيئة مشروعات التعمير والتنمية الزراعية، توقف تقنين الأراضي، وفي حالة صدور قرار جمهوري ببدء تقنين هذه المساحات بالسعر العادل، مع مراعات نسبة تضخم عادية، أي بنحو 20 ألف جنيه للفدان، سوف يصطف أصحابها أمام أبواب الهيئة، أو اللجنة، أو المكان الذي تحدده الدولة، بأموالهم، وسوف تنجح الدولة في جمع نحو 60 مليار جنيه من هذا البند فقط، وليس 67 مليون جنيه سوف تتسبب في مقتل المئات من الأبرياء.
* هناك أراض تم تأجيرها لأشخاص لاستثمارها في مشاريع تنمية زراعية، وتم تغيير نشاطها، لتحقيق ملايين بطرق ريعية، لا تنتمي إلى التنمية بصلة، ومنها: مفرخ أسماك أبو سنبل، الذي أجرته هيئة تنمية بحيرة السد العالي لأحد أعضاء مجلس الشعب القدامى في صعيد مصر، لهدف محدد، هو إنتاج نحو عشرة ملايين زريعة بلطي سنويا، تستخدم في تنمية بحيرة ناصر لتعظيم الثروة السمكية فيها، ومساحة المفرح المستأجرة على الورق 40 فدانا، يتبعها 600 فدان من أجود الأراضي الزراعية، متاخمة للكتلة السكنية في مدينة أبو سنبل، وكان من المفروض أن تزرع بمياه المفرخ "إعادة تدوير المياه"، ومع الرفع المساحي الواقعي تبين أن مساحة أرض المفرخ تبلغ 110 أفدنة، وتبين أن الشخص المنتفع لم يسدد مستحقات الدولة كإيجار، وتم فسخ عقد المفرخ والأرض بقرار وزاري رقم 1178 لسنة 2013، وحتى الآن يضع المستأجر يده على الأرض، مستقويا بنائب برلماني، ومستعينا بموظفين في هيئة مشروعات التعمير، ووزارة الزراعة.
ـ ملحوظة: تمكن المستأجر من تغيير نشاط المفرخ، واستخدم مبانيه في عمل محجر بيطري لحجر الحيوانات القادمة من السودان لصالح شركة "اتجاهات"، ويستفيد من تحصيل رسوم على حجر هذه الحيوانات بالرأس، محققا مئات الملايين، ومع ذلك لم يسدد حق الدولة، ولم يسدد فواتير المياه ولا الكهرباء حتى الآن، وكانت النتيجة إقالة مدير فرع هيئة تنمية بحيرة السد ـ التابع لهيئة مشروعات التعمير والتنمية الزراعية، لمجرد إصراره على تنفيذ القانون، وتحصيل مستحقات الدولة، مع تنفيذ القرار الوزاري السابق بفسخ العقد.
ـ ملحوظة ثانية: قيمة الأرض الزراعية (600 فدان)، تقدر بمليار جنيه، كما أن أرض المفرخ يمكن إعادتها كمشروع استثماري لصالح تنمية بحيرة السد العالي، التي ساء حالها، ولم تعد تنتج ربع ما كانت تضيفه إلى الثروة السمكية المصرية في عهد الدكتور يوسف والي، والدكتور حسب الله الكفراوي وزير التخطيط الأسبق.
* توجد مساحات شاسعة من الأراضي المملوكة لقطاع الإنتاج في وزارة الزراعة، ومركز البحوث الزراعية، غير مستغلة، في معظم محافظات مصر، خاصة في الإسكندرية، والوادي الجديد، والقاهرة، والجيزة، والقليوبية، والإسماعيلية، والشرقية، وفي حالة حصرها، وطرحها للاستثمار، سواء بالإيجار أو البيع لصالح الجهات المخصصة لها، سوف تفيد في إنعاش ميزانيات هذه الجهات، وبالتالي التخفيف على موازنة الدولة، في دعم هذه الجهات.
ـ توجد شركات مصرية، أنشأها مصريون من فئة "صغار المستثمرين"، وضعت أياديها على مساحات شاسعة في أماكن بالغة القسوة والصعوبة، جغرافيا وطبوغرافيا، خاصة في "المغرة" جنوب منخفض القطارة، وأقاموا عليها بنى تحتية، من طرق وآبار، وشبكات، ومحطات للطاقة الشمية، وأوقفهم مشروع الـ 1.5 مليون فدان، على الرغم من أنهم أرادوا دفع قيمة تقنين هذه الأرضي، منذ أكثر من خمسة أعوام، وذاقوا الأمرين مع أربع وزراء زراعة، وحتى الآن، تتجمد استثماراتهم، وتمتنع أموال تقنين أوضاعهم عن صناديق الدولة.
ـ الأمثلة كثيرة، لكن اللجان لا ترغب في البحث والتقصي، اللجان تفضل الاستسهال، حتى تجد في جعبتها الكثير من المظاليم، وحواليها الكثير من الفارين بأرزاق البلاد والعباد، وفي النهاية تكون هذه اللجان سببا في مزيد من الاحتقان المجتمعي على الحكومة والرئاسة والدولة، بدلا من أن تكون أداة للرحمة، ومعينا لصانع القرار على التنمية وتحقيق الرفاه للشعب.