الخميس 28 مارس 2024 مـ 04:16 مـ 18 رمضان 1445 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

الموت في الغربة.. والغربة موت

مسكين هذا الإنسان المصري، يتردد في أعماقه دومًا نغم شجي وإحساس دفين بالغربة والاغتراب، منذ أن كان يرتحل عنوة في زمن السخرة؛ ليحفر لهم الترع والمصارف، ويقيم السدود، وينشئ القناطر، ويرص فلنكات السكة الحديد وقضبانها، وحتى حكم عليه القدر وسوء حكامه إلى الهروب خارج الوطن بحثا عن حياة أفضل!.

لكنه ظل يحلم بالعودة إلى حضن بلاده، حيًا كان أو ميتًا، فتراه دائما ما يوصي بأن يدفن في مسقط رأسه، مهما بعد أو طالت مدة غيابه!.

إنها بقايا فرعونية قديمة، وإيمان بالبعث راسخ في نفسه منذ آلاف السنين!.

لكنهم اليوم يحرمونه من تلك الأمنية، فإذا ما مات مصري خارج مصر؛ صعب على أهله إحضاره ليدفن في بلده، وكأنهم يضنون عليه بذلك، ويحكمون عليه أن يبقى غريبًا إلى الأبد!.

يغالون في تكاليف نقله إلى حد التعجيز، ضاربين بكل المشاعر الإنسانية عرض الحائط، متناسين أن نار الفراق يمكن أن تبرد وتهدأ إذا ما ودعه أهله، وصلوا عليه بأنفسهم، وتنافسوا في حمله على أكتافهم، وواروه الثرى إلى جوار أحبته الراحلين قبله، ثم زاروه في قبره كل حين، يترحمون عليه، ويدعون له!.

إنها الإنسانية يا سادة، فلا تثمنوا كل شئ، ولا تزنوه بميزان المادة، فهي أشياء لا تشترى، ولا تقدر بمال، ثم تزعمون إذا ما مات في السعودية مثلًا بأنها أرض مقدسة، فمن قال ذلك؟، ومن أفتى به؟، وما أدراكم أنها رغبته أن يدفن فيها؟، إن كل مصري يتمنى أن يعود إلى الأرض التي نبت فيها، وتكونت خلاياه من خيرها وهوائها  وماء نيلها!.

فإن كنتم حرمتموه من صحبة أهله والتمتع بهم في حياته؛ فهلا رحمتموه وأرجعتموه إليهم بعد موته، معتبرين جثمانه هذا كرتونة أو قطعة أثاث أو حقيبة ملابس، ومتجاوزين عن التكلفة الخرافية التي تطالبون بها أهله، مما يشعرهم بالعجز والاستسلام وكتمان الألم واحتباس الحسرة!.