الموجة الثالثة من كورونا أشد فتكاً من الأولى والثانية
بقلم: د. أمال صبري*
مازال كابوس كورونا يؤرق أمان العالم أجمع واستقراره.
وأخيرا، تلاشى الأمل في انتهاء زمن كورونا وتأثيراتها المدمرة للصحة والاقتصاد العالميين، خاصةً بعد هجوم الموجة الثالثة بشراستها، مع ظهور أعراض جديدة وغريبة، سببها تحورات متجددة للفيروس الماكر اللعين، والذي ينذرنا بشكلٍ أكثر تجدد في الموجة الرابعة.
والخطورة تكمن في عدم توقع المصابين والمحيطين به باحتمالية وجود المرض، لتشابه أعراضه الجديدة مع أعراض اعتاد عليها الجسم البشري.
من منا لم يعاني من آلام أسفل الظهر، والتي قد تمتد إلى الساقين؟ هذا العرض ينتشر الآن في كل الفئات العمرية، حيث ساهمت فيها التكنولوجيا بشكلٍ كبير، وذلك لانكباب الجميع على الكمبيوتر والموبايل.
من منا لم يفقد شهيته في وقت ما، وربما تتكرر في أوقات كان قائدها التوتر والقلق لأي سبب؟
ومن كان يتخيل أن الطفح الجلدي في الأطراف فقط، أو مجرد احمرار العين فقط دون أعراض أخرى، هما الآن من أعراض الكورونا.
وحتى الصداع الذي يلازم بعض الناس بسبب الشقيقة، فكيف يفرق المصاب بالشقيقة بينه وبين صداع الكورونا.
علاماتٍ أخرى جديدة دخلت حديثا ضمن أعراض كورونا، مثل عدم التوازن أو سرعة في ضربات القلب.
منطقياً، عندما تأتي تلك العلامات السابقة بدون حرارة أو أي عرض من أعراض الجهاز التنفسي، سوف يستهان بها بضعة أيام، وأحياناً تتطور لتصل في النهاية إلى التدهور السريع والموت.
وهنا تفرض عدة تساؤلات نفسها:
- هل نستسلم للخوف من كورونا، أم نترقب الأعراض فينا وفي المحيطين؟
-هل نتجاهل الأمر لنستمتع بالحياة بحجة التوكل على الله، شأن الكثيرين الذين تسببوا في انتصار الفيروس عليهم؟
- هل بالصلاة والدعاء فقط، ترحل عنا كورونا؟
الفرق شاسع بين التوكل على الله والتواكل عليه والاستهتار بالصحة، وأعتقد أنهما شعاران للإنسان غير القادر على تحمل المسؤولية، حتى تجاه نفسه.
فهذا الكون الذي خُلِق فيه كل شئٍ بقدر ومقادير غايةٌ في الإتقان والدقة والإعجاز، لم يكن لخالقه أن يرضى أبداً بالفوضى والاستهتار في تعاملنا مع الوباء والأزمات، ظناً منا في حمايته لنا دون التماس الأسباب.
لم يكتف رسولنا الكريم أثناء وباء الطاعون بالصلاة والدعاء، بل كان هو أول من أرسى قواعد التعامل مع الأوبئة، فوجه الناس لعدم السفر إلى الأماكن الموبوءة وعدم مغادرة مكان حل فيه الوباء أثناء تواجدهم فيه، لعدم انتشار العدوى، كما شدد على المداومة على النظافة الشخصية وعزل المصابين عن الأصحاء والبحث دائماً عن الدواء للداء.
إذاً كل إرشادات منظمة الصحة العالمية لمواجهة كورونا، قد نادى بها رسولنا الكريم منذ نحو 1300 عام، ولو كانت الكمامات قد وُجِدت حينها، لشدد على ارتدائها أيضا، مثلما وجه الإعرابي بعقل ناقته وعدم تركها لتضيع بحجة التوكل على الله.
أما ما يحدث الآن من عدم التزام الكثيرين بارتداء الكمامة، والاستمرار في عقد الولائم العائلية الرمضانية، ثم الزيارات في العيد والتواجد في الأماكن المغلقة المزدحمة، فهو بعيدُ كل البعد عن العلم والإيمان والتوكل على الله.
لقد أصبح اعتقادانا في كورونا كاعتقادنا في الموت، نؤمن بوجوده، لكننا في داخلنا نهرب من إعداد العدة له، فنغفله وننساه حتى يأتينا بغتةً.
والخلاصة، أننا إذا أردنا القضاء على الأزمة، فلابد من أن تقع على عاتق كلٍ منا مسؤولية الحفاظ على نفسه والمحيطين به والمجتمع، فكل منا يمثل خلية مجتمعية في عالم كبير أصبح مترابطا بفعل وسائل الانتقال الحديثة.
- لقد أصبحت الحياة الآن في التباعد الاجتماعي، وبذلك يصبح الصبر على البلاء واجبا، وفرض عين، وليحمل كلٌ منا المسؤولية إذا أردنا النجاه لأنفسنا وأهلينا.
هذا ما فعلته البلاد القليلة التي نجت من كورونا باتباع كل الاجراءات الاحترازية بجدية، حتى وإن تضرر اقتصادها فترة قصيرة، إلا انها في فترة أقصر استطاعت هزيمة الجائحة وطردها خارج حدودها.
الدراسة "أون لاين" أصبحت من أهم أسلحة القضاء على الفيروس، كذلك عقد اجتماعات العمل والمؤتمرات العلمية، ببرامج الاتصال عن بعد، وتلك أمثلة لبعض ما يجب علينا فعله في هذه الفترة.
.....................
* استشارية طب الأطفال والتغذية العلاجية