الخميس 18 أبريل 2024 مـ 11:36 مـ 9 شوال 1445 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

فاو تطور تقنيات لمكافحة الجراد عبر الذكاء الاصطناعي والأقمار الإصطناعية

يُعتبر الجراد الصحراوي عدوًا لدودًا بالنسبة إلى المُزارع الغافل عن المخاطر. وتتصف هذه الآفات البائسة بشراهتها، وتكاثرها السريع وتنقلها لمسافة تصل إلى 150 كيلومترًا في اليوم الواحد وقدرتها على التهام مساحات شاسعة من المحاصيل والمراعي خلال تنقلها.

وخلال العام الماضي، اجتاحت أفواج من هذه الحشرات الخبيثة شرق أفريقيا، واليمن وجنوب غرب آسيا في أسراب ضخمة احتوت على ما يصل إلى 80 مليون جرادة في الكيلومتر المربع الواحد.

ويُعدّ التهديد الذي تتعرض له الزراعة والأمن الغذائي هائلًا، كما يعتبر التحدي المتمثل في السيطرة عليه ملحًا.

واستجابة لذلك، طوّرت منظمة الأغذية والزراعة، مع شركائها والجهات المانحة، مجموعة من الأدوات العالية التقنية أحدثت ثورة في تعقّب الجراد ومراقبته والتصدي له، مما ساعد البلدان المتضررة على مكافحته بصورة فعالة.

وباستخدام بيانات المناخ وتوقعات الأحوال الجوية، شغلت منظمة الأغذية والزراعة منذ عقود موقعًا رائدًا في مكافحة الجراد. وكان الحاسب اللوحي eLocust3 الخاص بمنظمة الأغذية والزراعة، الذي تستخدمه الفرق الميدانية لجمع بيانات هامة حول العالم ونقلها إلى دائرة معلومات الجراد الصحراوي التابعة للمنظمة، يعني أنه بإمكان منظمة الأغذية والزراعة والسلطات الوطنية رسم خرائط تحركات الجراد واستباق الأحداث.

ويقول السيد Keith Cressman، كبير المسؤولين عن توقعات الجراد في المنظمة: "إنه حقًا أفضل ما لدينا من أدوات لجمع البيانات".

إلّا أنه رغم استخدام الحواسب اللوحية في 20 بلدًا، فقد أدّت آخر حالة طوارئ سبّبها الجراد إلى ارتفاع كبير في الطلب عليها، وكان الوقت المتاح لتدريب المزارعين والرعاة قصيرًا للغاية. وخاضت منظمة الأغذية والزراعة المعركة على عدة جبهات واحتاجت إلى يد أقوى للتصدي للهجوم.

ويقول السيد Cressman: "نحن نبحث دومًا عن أحدث التكنولوجيات من أجل تسخيرها وتكييفها وجعلها أدوات ابتكارية يمكن استخدامها لتحسين قدرتنا على التنبؤ والإنذار المبكر".

أدوات الاتصال عن بُعد

مع حلول شهر يناير/كانون الثاني 2020، كانت أسراب من الجراد الصحراوي بحجم مدينة باريس أو مدينة نيويورك تجتاح القرن الأفريقي، وهي منطقة تعاني بالفعل من الفقر وانعدام الأمن الغذائي. ومع قدرة الآفات على التكاثر 20 ضعفًا مع كل جيل، فإن كل يوم يمرّ يزيد من صعوبة المعركة.

وفي سباق مع عقارب الساعة، لجأ السيد Cressman إلى الباحثين في معهد PlantVillage التابع لجامعة ولاية بنسلفانيا، والذي يوفر حلولًا تكنولوجية للمزارعين، وكان قد أنشأ في السابق تطبيقًا لمساعدة منظمة الأغذية والزراعة على تتبّع آفة زراعية خطيرة أخرى، هي دودة الحشد الخريفية.

ويعلّق السيد Cressman قائلًا "بدلًا من إعادة اختراع العجلة، لماذا لا نستعين بخبرتهم مع التكنولوجيا القائمة. فلنقم بتكييف هذا التطبيق واستخدامه لمكافحة الجراد".

وفي غضون أقل من شهر واحد، أعدّ السيد Cressman ومطوّرو التطبيقات تطبيقًا بسيطًا للهواتف الذكية من أجل السماح لأي شخص، حتى مع القليل من التدريب، بجمع بيانات الجراد في الميدان. ولكن لا يملك جميع المزارعين هاتفًا محمولًا والعديد من مناطق شرق أفريقيا معزولة تمامًا عن أي شبكة. ولهذا السبب، عقدت المنظمة شراكة أيضًا مع شركة Garmin العالمية المورّدة لخدمات النظام العالمي لتحديد المواقع، وذلك بهدف تعديل جهاز لنقل بيانات الأقمار الاصطناعية بحيث يصبح قادرًا على التغلب على عقبات الاتصال في المناطق التي تفتقر إلى الشبكات.

ومع أن المنظمة تتلقى حاليًا ما يصل إلى 2500 سجل من البيانات يوميًا، إلّا أن حوالي 25 في المائة منها غير صالح للاستعمال أو غير صحيح؛ ما دفع المنظمة مرة أخرى إلى التوجه إلى معهد PlantVillage من أجل تسخير الذكاء الاصطناعي لتحديد البيانات غير المرغوب فيها والتخلص منها بصورة سريعة. ويقوم فريق مكافحة الجراد الصحراوي التابع للمنظمة بعدئذ بمشاطرة هذه البيانات مع فرق المكافحة على الأرض وجوًا لكي تتمكن من تحديد موقع الأسراب بسرعة، ومن ثم استهدافها والقضاء عليها.

التتبّع من الجو

أدّت مكالمة هاتفية وردت من إحدى محميات الحياة البرية في كينيا أيضًا إلى إنجاز تكنولوجي آخر. فبناءً على اقتراح أحد حرّاس المحمية، استخدمت المنظمة نظامًا رقميًا يسمى EarthRanger، يُستخدم لرصد حركة الحيوانات، وعمدت إلى تكييفه لرصد الجراد.

وعمل السيد Cressman مع مطوري نظام EarthRanger، وهي مؤسسة خيرية تسمى Vulcan، لتعديله بصورة خاصة للمراقبة الجوية ومكافحة الجراد.

وفي ذروة الاستجابة للجراد، عقدت منظمة الأغذية والزراعة شراكة مع مؤسسة Degrees 51 التي استخدمت هذه الأداة من أجل تنسيق 28 طائرة في القرن الأفريقي لعمليات المراقبة والمكافحة، وزوّدت الطيارين بالمعلومات الدقيقة اللازمة لاستهداف الجراد أثناء تنقله. وقد أثبتت هذه التكنولوجيا فعاليتها الكبرى في عمليات مكافحة الجراد في كينيا لدرجة أن المنظمة سرعان ما وسّعت نطاق تطبيقها ليشمل إثيوبيا والصومال.

"كنّا سابقًا نعمل في الظلام. ومع EarthRanger يمكنكم رؤية المسار الذي سلكته الطائرة بالضبط وأين قامت بالرش. وقد أدى ذلك إلى زيادة فعالية استخدام الطائرة وكفاءة عمليات المكافحة. وأنا على ثقة من أن ذلك قد شكّل عاملًا رئيسيًا ساهم في التراجع الذي نشهده حاليًا في الهجمات".

وتتعاون منظمة الأغذية والزراعة أيضًا مع باحثين من الإدارة الوطنية لدراسة المحيطات والغلاف الجوي في الولايات المتحدة الأمريكية ومكتب الأرصاد الجوية في المملكة المتحدة وجامعة كمبريدج من أجل ابتكار طرق جديدة لتحسين استراتيجيات مراقبة الأسراب، والتنبؤ بها ومكافحتها.

زخم من عصر الفضاء لأغراض المراقبة

قد تشكّل الأقمار الاصطناعية عامل التغيير الأكبر في مكافحة الجراد الصحراوي. وبما أنّ هطول الأمطار يشكل عنصرًا حاسمًا في تكاثر الجراد، فإنّ منظمة الأغذية والزراعة تستعين بقمرين اصطناعيين اثنين لتحديد هطول الأمطار والغطاء النباتي الذي قد يجذب الجراد للتكاثر.

ويقول السيد Cressman: "يبدو ذلك من الخيال العلمي، أليس كذلك؟".

ويخطو قمر اصطناعي ثالث يطلق عليه السيد Cressman اسم "الكأس المقدسة لرصد الجراد الصحراوي" خطوة إلى الأمام حيث بإمكانه الكشف عن رطوبة التربة تحت سطح الأرض، وهي ظروف من شأنها أن تسمح لأنثى الجراد بوضع بيضها.

ويقول: "لا يتعلق الأمر بالرطوبة على سطح التربة فحسب، وإنما أيضًا على عمق حوالي 15 سنتيمترًا، وهو العمق الذي يمكن للإناث وضع بيضها فيه".

وتعمل منظمة الأغذية والزراعة مع الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية (NASA)، ووكالة الفضاء الأوروبية، والمركز المشترك للبحوث التابع للمفوضية الأوروبية بهدف تحسين تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية.

وبالعودة إلى الأرض، يتم بث بيانات الأقمار الاصطناعية هذه بصورة آنية عبر الهواتف المحمولة، والحواسب اللوحية، وغيرها من الأجهزة لكي تتمكن البلدان من حشد فرق المكافحة واتخاذ تدابير فورية للتصدي لأسراب الجراد.

كسب المعركة

أمكن بفضل هذه العمليات تقليص نطاق غزو الجراد الصحراوي بشكل كبير في إثيوبيا وكينيا والصومال. وحالت عمليات مكافحة الجراد في شرق أفريقيا دون خسارة 4 ملايين طن من الحبوب و800 مليون لتر من إنتاج الحليب، مع حماية الأمن الغذائي لنحو 36.6 ملايين شخص وتجنب خسائر في الحبوب والحليب بقيمة 1.56 مليار دولار أمريكي.

ويقول السيد Cyril Ferrand، قائد فريق القدرة على الصمود لشرق أفريقيا في منظمة الأغذية والزراعة: "على الرغم من تحسّن الأوضاع، حيث بقي عدد قليل من الأسراب في كينيا وعدد أقلّ من الأسراب الأصغر حجمًا في إثيوبيا والصومال، إلّا أننا لم نصل بعد إلى نهاية الفورة".

"نحن الآن في منتصف موسم الأمطار، ورغم تدني معدل هطول الأمطار، إلّا أن الظروف باتت مواتية بشكل أكبر لتكاثر الجراد الصحراوي. ومن الأهمية بمكان الحفاظ على مستوى عالٍ من المراقبة".

وتضاءل التهديد أيضًا في اليمن، غير أن هناك أسراب صغيرة ظهرت مؤخرًا في العراق والأردن ولبنان وسوريا.

ولقد كسبت منظمة الأغذية والزراعة معارك عديدة ضد الجراد الصحراوي، غير أن هذه الحرب لم تشارف على نهايتها بعد.