لله يا زمرى
قراءات و تأملات فى دفتر أمطار الخريف.... اقتراحات و مناشدات
منذ سنوات بالكاد تتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة كنت عضواً فريق خبراء اقليمى من اربع دول عربية (مصر,السودان , الاردن , اليمن) فى مشروع ينفذ بمعرفة احد الجهات الدولية المرموقة وقد تم اختيار أحدى قرى محافظة اسوان لتنفيذ النسخة المصرية من المشروع التوعوى الذى يستهدف تدريب الاهالى و الحكوميين على مواجهة السيول او الفيضانات الخاطفة و هى الترجمة العربية لمستطلح انجليزى هو Flash Floods
المهم فى هذا العمل قمنا بوضع آلية لمواجهة السيول الخاطفة والواقع اننا وجدنا لدى مجلس الوزراء قطاع مختص بهذا الامر تحت مسمى قطاع مواجهة الازمات و الكوارث و به امكانيات بشرية و فنية و مادية عظيمة و بالتالى لدى كل محافظة ادارة لمواجهة الازمات و الكوارث ومنها محافظة اسوان . و كان المسؤل هنا شخص نشيط متفهم لعمله و مدركاً له تمام الادراك, استعنا بما هو موجود و اضفنا اليه الكثير, و قد قمنا بتوعية الاهالى بالامر وتدريب مجموعة غير قليلة منهم ممن ينتمون الى الجمعية الاهلية بالقرية و كذلك تم تدريب الموظفين الحكوميين المعنيين بالامر و اتصور انهم استوعبوا الامر بشكل جيد , فقد اخذه المتدربون وخاصة اهل القرية مأخذ الجد فقريتهم منذ عقد ونصف كانت قد عانت الويلات من سيل داهم القرية و اوقع اضرار مادية و ضحايا بشرية.
و الواقع اننا كنا كفريق عمل فى منهى السعادة بتعاون الحكوميين وتجاوب الاهلين لهذا النشاط الجديد الذى لاقى لديهم احتياج ورغبة واستعداد للتعامل معه وبه وفيه, و قد تكررت التوعية فى الجمعية الاهلية بالقرية و المساجد ومركز الشباب وتم انتاج مواد توعوية متعددة ومختلفة لتناسب الجميع.
و كان التركيز على المتابعة للحصول على الانذار المبكر و تدفق المعلومات حتى يستعد الجميع, ومن حسن الطالع انتشار التلفونات الحديثة (الذكية) التى توجد فى ايدى غالبية الناس و بها ميزة او خدمة الحصول على بيانات الطقس بشكل يومى و لمدة ثلاث الى خمس ايام قادمة, للتنبؤ عن الظروف الطقسية غير المواتية كالرياح و الصقيع والامطار و من ورائها السيول, للاستعداد للتعامل معها. و الواقع انه كان لدى اعتقاد جازم بان ما حدث سابقا من اضرار السيول لن يتكرر بسهولة بسبب توعية وتدريب الاهليين و الحكوميين و كنت على ثقة من ذلك.
الفجيعة: حيث دهمت اسوان خلال نوفمبر الماضى موجة طقس سىء اعقبها هطول امطار غزيرة, وبالتالى نتج عنها سيول, و الواقع اننى كنت فى غاية الطمئنية لتعامل الحكوميين و الاهالى مع الامر, و لكن فيما يبدو اننى كنت حسن النية فقد كانت النتائج كارثية على كافة المستويات, حيث تضررت مدينة اسوان بشدة و أيضا القرى المجاورة وفى القلب منها قريتنا التى نفذنا بها المشروع.
فقد دهمت السيول المنازل و أوقعت اضراراً جمة بها ما بين منزل ساقط متهدم وآخر متضرر و ثالث متصدع و المحظوظ هو المبتل. وبلغ السيل الربى و طال مدافن القرية و اغرق قبورها وجرفها بساكينها عليهم من الله الرحمات و الرضوان, اما مدينة اسوان فنالت نصيب الاسد من السيول والامطار و الاشجار المتهدلة والمتكسرة و المتضررة, وروى لى شهود عيان أن المياه بشارع الكورنيش وصلت الى ارتفاع يقارب نصف متر... حيث خاضت السيارات و ربما ادركت المياه بعض من السيارات الغير مرتفعة كثيراً عن الارض.
و واقع الامر انه لا فى المدينة حيث دربنا الحكوميين و لا فى القرية حيث دربنا الاهلين ووعيناهم ,تم تنفيذ اى شىء فقد فاجأت الامطار و من ورائها السيل الجميع و فعلت مافعلت و لا نملك الا الدعاء ..رحم الله الموتى و شفا المصابين وعوض على المتضررين فى منازلهم و ممتلاكاتهم خيراً . اما انا وزملائى المصريين من خبراء المشروع فأتصور أن لسان حالنا المقولة الخالدة ,, لله يازمرى,, .
و بالرغم من المجهود الضخم الذى بذل فى مدينة اسوان فى السنوات الاخيره لتحديثها و تسهيل المرور و الحركة و ضبط طرقها ومماشيها و اسواقها و ازدحام المدينة بالاماكن المزغرفه و المذركشة حتى تتبدى لك وكأنها متحف مفتوح او حى رائع جميل قادم من العصور الوسطى لنطلع عليه ونستمتع بجماله.
و بالرغم من الطوبغرافية الفريدة التى تميز مدينة اسوان وهى وجود انحدار طبيعى من الشرق الى الغرب فى كامل المدينة حيث من السهل ان تجد مياه الامطار التى تكاثرت فامست سيولاً جارفة طريقاً الى الغرب حيث يقع نهر النيل و من السهولة بمكان ان تجد المياه منافذ تودى بها الى مجرى نهر النيل فنحقق مأربين الاول التخلص من الاضرار الناجمة عن المياه المتجمعه, و الثانى هو حصاد مياه الامطار وضخها الى نهر النيل, وكان من السهولة بمكان ان يتحقق ذلك و هو ان يتم استخدام الميول البسيطة والموجودة بالفعل لتوصل المياه من كافة شوارع المدينة الى الكورنيش الممتد ويتم عمل منافذ انبوبية من الكورنيش الى مجرى نهر النيل, وتغادر مياه الامطار الشوارع بسلام بعد ان تكون قد غسلتها ,فنحقق حصاد الامطار و تكون عشرات الملايين من الامتار المكعبة من مياه الامطار النظيفة قد وجدت طريقها الى النيل, وأنى لأعجب كيف لم يتذكر المسئولون و هم ينفذون مشروعات التطوير و التحديث بالمدينة ان يفكروا في هذا.
و قد ذكرنى هذا بالعاصمة الكينية نيروبى التى تشتمل على نظام حصاد امطار فى منتهى البساطة و الكفاءة فى جمع الامطار من الشوارع وضخها الى مكان حيث يتم تنقيتها واعادة استخدامها , اتذكر انه فى احد الزيارت لنيروبى و عند وصولنا المطار كان هناك امطار شديدة تسقط وعند انهاءنا للاجراءات المعتادة للدخول و خروجنا بقينا بعضاً من الوقت اسفل احد المظلات فى انتظار السيارة التى ستقلنا الى الفندق ساعتها جال بخاطرى المعاناه التى سنتكبدها فى مشوارنا حتى الفندق مع المياه و الطين ...الخ , و انتظرت اننا حينما نخرج من المطارسنرى عجباً ونزوق الويل و الثبور وعظائم الامور حتى نصل فندقنا, لكن مارأيته عجباً بالفعل و لكن مختلف تماما عما توقعته و هو انه لا مياه بالشوارع ولا غرق وبرك مياه و لامساحات طين , شوارع نظيفة تكاد تخلوا تماما من اثر المياه اللهم الا ابتلال الاسفلت فقط, اما ميا الامطار الهادرة فقد اختفت فى مجرى بسيط يقع الى جانب الطريق و يرافق كل الطرق و الشوارع ليأخذ منها المياه.
فى العقود الاخيرة الماضية تغيرت شدة الأحداث المناخية الحادة كالعواصف والفيضانات وتكررت فى آماكن كثيرة على المستوى العالمى بسبب تغير المناخ، وقد تم رصد العديد من المناطق في مصر ادرجت على انها من بين الأماكن التي تعرضت لهطول الأمطار الشديدة، التي أدت في بعض الحالات المتكرره إلى سيول خاطفة (ومضية). و هو الامر الذى يحتم علينا الاتجاه الى تقنية حصاد الامطار.
كيف نحصد الامطار
فى الاماكن التى تتكرر فيها هذه الظاهرة و بشدة , الأمر فى غاية البساطة ويتمثل في إعادة تهيئة كل الشوارع لتشتمل على قنوات صرف جانبية ذات ميول، لتصب في مجرى مائى أو نهر النيل او يتم تجميعها في محطات تنقية ويعاد استخدامها هذا عن الشوارع وهذه يمكن ان نطلق عليها شبكات تجميع مياه الامطار, اما المبانى يجب أيضًا تجهيز أسطحها ، بحيث تتجمع مياه الأمطار في جهة معينة تصب في مواسير صرف، تصب بدورها في شبكات تجميع مياه الأمطار.
ياساده مياه الامطار مصدر متجدد للمياه يمكن أن تستخدم في الزراعة والصناعة والاستخدام المنزلي.، كما يمكن فى المدن استخدامها في ري الحدائق العامة وتنظيف الشوارع ، بالاضافة الى انه يمكن استخدامها فى شحن الخزانات الجوفية وذلك فى المناطق الصحراوية خارج الوادى.
يمكننا ان نكثف انشطة حصاد مياه الأمطار فى مناطق الساحل الشمالي من رفح حتى السلوم، وسواحل البحر الأحمر وجباله، ومدن سيناء و عدد من المدن داخل الوادى و التى تكررت ظاهرة الامطار التى تبعها سيول خاطفة مدمره.
اتصور انه مهما كانت تكلفة انشاء شبكات تجميع مياه الامطار كبيرة فانها لن توازى الاضرار المادية و البشرية التى تتسبب فيها الامطار و السيول. ان وجود مثل هذه الانظمة تقينا الاضرار و الخسائر كما انها تضيف الى مواردنا المائية عدة مليارات الامتار من المياه و هذا خير كثير.
و لكن الامر يجب ان يتوازى معه تنفيذ برامج تدريبية و توعوية للحكوميين و للاهلين بكيفة التعامل مع مثل هذه الاحداث الطقسية العنيفة بالاضافة الى ايجاد نظام انذار مبكر وآليه تدفق المعلومات للاستعداد للتعامل معها و ايضا التوعية بأهمية المياه والتوعية بطرق الحفاظ عليها فيما يتعلق بالاستخدامات اليومية.
اناشد المسؤلين عن تخطيط المدن الجديدة الاهتام بهذا الامر ووضعه فى الاعتبار, وفى المدن القديمة انادى باعادة تهيئتها لهذا حفظ الله بلادنا من كل سوء.