الجمعة 29 مارس 2024 مـ 02:50 مـ 19 رمضان 1445 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

طبق بيض «يكسف».. واقتراح للبنك الزراعي

من المؤكد أن المستهلك يسعد كثيرا حينما يفاجأ بسعر غير متوقع لسلعة يعرف جيدا أنه أقل من تكلفة إنتاجها الفعلية، وهو ما حدث لي شخصيا، حينما دخلت بقالة لأشتري طبق بيض أبيض قبل نحو يومين.

فاجأني البائع بأن سعر الطبق بلغ 65 جنيها، وبدا من حديثه أنه تخوّف من رفضي الشراء، اعتراضا على السعر المرتفع، حيث أردف بسرعة، مغلظا اليمين بالله ثلاثا، أن البيض "زاد 2 جنيه انهارده".

كنت قد انتهيت من حوار ساخن مع 3 من كبار منتجي بيض المائدة، أحدهم سلم بطاقته الضريبية وأغلق مشروعا قوامه 25 مليون بيضة سنويا، ويستعد الثاني لبيع قطيع مُنتِج قبل نهاية عمره الإنتاجي بستة أشهر، أما الثالث فحكى حديثا يدمي القلب عن مستقبل هذه الصناعة، لكن الثلاثة أكدوا أن التكلفة يومها بلغت 71 جنيها للطبق، ويضغط عليهم التجار لشرائه من المزرعة بسعر 48 جنيها فقط.

ظهرت على وجهي علامات الضيق فعلا وأنا أدفع ثمن طبق البيض، ولم يكن بيدي سوى الإفصاح عن أن ما ظهر على وجهي، ليس سوى "كسوف" من مشاركتي في أكل مال المنتجين، وشرحت للبائع وصاحب البقالة، مفردات المعادلة السعرية لتكلفة طبق البيض، وحجم الخسارة التي يجنيها يوميا منتجو الدواجن والبيض، لتنتقل الغرابة إلى وجه البقال وصاحبه، مع تأكيدي على أنني مستعد لدفع فرق التكلفة لصاحب هذا الطبق إذا عرفته شخصيا.

هذه القصة تستدعي قصصا أخرى، منها ما دار اليوم السبت 27/8/2022، بيني وبين استشاري تغذية دواجن لإحدى أكبر الشركات العاملة في مجال صناعة الدواجن، بشكل متكامل، أي أنها تُنتِج الأم من الجدود المستوردة، ثم بيضة الكتكوت، ثم التفريخ، والتسمين، ومصنع العلف، والمجزر، ومنافذ التسويق المباشر للجمهور، وألهب حديثه رأسي ليظهر سبب كتابة هذا المقال.

سألني الاستشاري كالعادة:

- حضرتك فين

وكانت الإجابة المفاجئة له:

- أنا أمر الآن من الطريق المحاذي لشركتكم.

تأوه الرجل وزفر، قائلا:

- خللي بالك ليكونوا فتحوا العنابر للكتاكيت والدواجن تأكل من خِشاش الجبل.

سألته بالطبيعة:

- ليه خير .. مش فاهم؟

فأجاب الرجل بأنه حدثت اليوم زيادة جديدة في سعر طن الذرة ليصل إلى 10200 جنيه، كما وصل سعر طن الصويا إلى 14000 جنيه، وهذا يعني ارتفاع تكلفة كيلو الدجاج اللاحم إلى 38 جنيها، وطبق البيض إلى 78 جنيها، مع أن سعر بيع الأول من المزرعة لايزال يتجمد عند 28 جنيها، والثاني عند 56 جنيها.

الغريب المبكي أن المستهلك لايزال يصرخ ويسب المنتجين على مواقع التواصل الاجتماعي، ويتهمهم بالجشع، ولا يصدق أن المُنتِج الذي يبيع دواجنه اليوم، لن يُدخِل دورة جديدة في ظل هذه الظروف، وأن مُنتِج البيض الذي كان يحصد من عنابره 1000 طبق يوميا، تقلص إنتاجه إلى 400 طبق فقط، ليضغط خسارته اليومية إلى حدود 9800 جنيه فقط، وهو حاصل ضرب عدد 400 طبق في 23 جنيها تمثل خسارة الطبق الواحد حاليا.

- أليست هناك حلول سريعة لهذه الأزمة؟

السؤال كان للمهندس إيهاب الشربيني أحد المنتجين الثلاثة الذين ذكرتهم في مقدمة المقال، وهو مدير عام شركة صحاري لإنتاج وتعبئة بيض المائدة، وهو مشروع اشتهر بإنتاج 1500 طبق يوميا، حتى ما قبل الاجتياح الروسي لأوكرانيا.

- لم يبخل الرجل بالإجابة، رغم مرارة الخسارة، حيث طالبني راجيا أن أبلغ اقتراحي لوزير الزراعة المحاسب السيد القصير، ونائبه المهندس مصطفى الصياد، بأن نعود للخلف 30 عاما، حينما كان البنك الزراعي المصري بكنيته القديمة (بنك التسليف) يشتري الذرة من المزارعين، ويوردها في شكائر جوت (خيش) إلى مزارع الدواجن والماشية، على أن يُسدد المشتري ثمن الوارد خلال أسبوعين على الأكثر، بعد إضافته هامش ربح يوفيه حقه الائتماني المشروع.

الفرق الوحيد الذي لفت إليه المهندس إيهاب الشربيني، أن التكنولوجيا الحديثة ستلغي الشكائر، لأن نقل الذرة من أماكن تفريطها لدى المزارعين حاليا، سيكون في شاحنات "صب" لوجود صوامع "سايلوهات" داخل منظومة مصانعهم أو قرب خلاطات تجهيز تركيباتهم العلفية.

ما قصده المهندس إيهاب وأكد عليه، هو أن دخول البنك الزراعي بقدراته الائتمانية الحالية، سوف يفيد طرفي الزراعة التعاقدية للذرة، سواء المُزارعين أو منتجي الدواجن وبيض المائدة ومصانع الأعلاف باختلاف أنواعها، بدلا من منحهم قروضا بفوائد قليلة (5٪) وفقا لمبادرة البنك المركزي.

هذا الاقتراح من شأنه فعلا أن يؤمِّن الذرة لاحتياجات إنتاج بروتين الدواجن والبيض والماشية، بسعر يقل عن المستورد، ويحقق الربحية لمزارعيها، ويحقن العملة الصعبة التي تُوجَه للاستيراد من الخارج، كما يشجع باستمرار على زراعة محصول نستورد منه في السنوات العشرة الماضية ما لا يقل عن 9 ملايين طن سنويا، 70٪ منها كانت من أوكرانيا.

هذا الحديث يحل أيضا أزمة كانت مزمنة لدى المزارعين، حيال العروة الصيفية، خاصة المحرومين من زراعة الأرز في محافظات الشمال، ولم يكن بيدهم سوى المخالفة للهروب من زراعة الذرة التي كانت تكبدهم خسائر فادحة، ولتتحقق قَدَرا القاعدة النفعية المتوارثة: "مصائب أهل أوكرانيا .. فوائد للمزارعين المصريين".

موضوعات متعلقة