الأرض
الإثنين 7 يوليو 2025 مـ 07:09 مـ 11 محرّم 1447 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

تغير المناخ يهدد الغذاء.. ومصر تتصدى بذكاء

أكد الدكتور محمد علي فهيم، رئيس مركز معلومات تغير المناخ، أن التغير المناخي لم يعد احتمالاً مستقبلياً، بل واقعاً يومياً نعيشه. ويشير إلى أن الظواهر المناخية المتطرفة لم تعد استثناءً بل أصبحت سلوكًا سائدًا.

مناخ متحول وآثار زراعية مباشرة

يشير فهيم إلى أن الطقس في مصر، كما في بقية العالم، بات أكثر تطرفاً، ما انعكس بشكل مباشر على القطاع الزراعي. فاختلال الفصول أدى إلى ارتباك في مواعيد زراعة المحاصيل، وتغيّرات في خريطة الإنتاج الزراعي، وتعرض النباتات لأمراض غير معتادة. هذه التحولات المناخية أثرت على النمو الطبيعي للنباتات، وأضعفت قدرتها على تحمل الحرارة أو الجفاف، ما انعكس سلبًا على الإنتاجية.

الدولة تتدخل مبكرًا: تقاوى محسّنة وزراعة ذكية

في مواجهة هذا الواقع، لم تقف الدولة المصرية مكتوفة الأيدي، بل اتخذت خطوات استباقية، كان من أبرزها العمل على استنباط أصناف زراعية جديدة تتسم بقصر دورة النمو، وقلة استهلاكها للمياه، وتحملها للإجهادات المناخية. حيث تمكّن العلماء المصريون من تقليص فترة زراعة القمح من 180 يوماً إلى 150 فقط، دون المساس بالإنتاجية. كما تم تقليص دورة زراعة الأرز من 160 إلى 120 يوماً، والذرة من 160 إلى 100 يوم.

كما أطلقت مصر مشروعات قومية لزراعة الأراضي الصحراوية، وتوسيع الرقعة الزراعية، وتحديث نظم الري، وإدخال الزراعة الذكية والرقمية، مما ساهم في تقليل الفجوة الغذائية وتعزيز القدرة التنافسية للمنتجات الزراعية محليًا ودوليًا.

زراعة تواجه التحديات... بابتكار

وفي ظل تصاعد المخاطر، كان لا بد من الاعتماد على التكنولوجيا. فالممارسات الزراعية التقليدية لم تعد كافية. وأوضح فهيم أن "الزراعة الذكية مناخيًا" أصبحت ضرورة، لا رفاهية، وهي تقوم على استخدام تقنيات مثل نظم الإنذار المبكر، والاستشعار عن بُعد، وتحليل بيانات المناخ والتربة لتحديد أنسب مواعيد الزراعة، واكتشاف الأمراض النباتية مبكرًا.

مناخ متقلب وفرصة مؤقتة للزراعة

وفي سياق متابعة الحالة المناخية، أشار فهيم إلى أن البلاد تمر حالياً بفترة من درجات الحرارة المرتفعة مع بداية الصيف – وهي تحتاج إلى ممارسات زراعية ذكية تضع المناخ المتغير في الاعتبار دفئ زراعة العروات الصيفية من الخضر والمحاصيل الاستراتيجية. كما نبه إلى ضرورة اتخاذ الاحتياطات لمواجهة التذبذبات في درجات الحرارة، لما لها من تأثير على التزهير والإثمار، خاصة في محاصيل الطماطم، والكوسة، والبامية، والقطن وغيرها

تحديات مستمرة وتوصيات فنية

وحذر فهيم من تزايد نشاط الآفات في ظل الظروف المناخية المتقلبة، مشددًا على أهمية تكثيف الرش الوقائي بالمبيدات الجهازية، ومراقبة المحاصيل لرصد أعراض الإصابة مبكرًا. كما أوصى باستخدام محفزات النمو، والمغذيات الدقيقة، لمعالجة مشاكل اصفرار الأوراق أو التفافها، والتي قد تنتج عن ضغوط مناخية وليست بالضرورة ناتجة عن أمراض فيروسية.

المستقبل في الزراعة الذكية

وأكد رئيس مركز معلومات تغير المناخ أن مصر تضع التحول الرقمي الزراعي ضمن أولوياتها، في إطار مواكبة الثورة الزراعية الرابعة، وصولًا إلى الخامسة، التي تعتمد على إنترنت الأشياء، والذكاء الاصطناعي في الزراعة. وقد أنشأت وزارة الزراعة وحدة متخصصة للإنذار المبكر، لتكون حجر الزاوية في منظومة الزراعة الذكية مناخيًا.

وأشار إلى أن هذه التقنيات تتيح القدرة على التحذير المبكر من أي تقلبات مناخية أو انتشار آفات وأمراض، كما تسهم في تحديد أفضل الأصناف الزراعية المتوائمة مع البيئة المصرية. فعلى سبيل المثال، زراعة أصناف قمح مقاومة للأمراض مثل "الصدأ" تُعد مثالاً عمليًا للزراعة الذكية التي تتكيف مع المناخ المتغيّر.

دروس من الأزمات... وتحديات المستقبل

ويرى فهيم أن الأزمات العالمية مثل تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة ، والظروف الإقليمية الصعبة، أثبتت أهمية الأمن الغذائي، وأكدت أن الزراعة لم تعد خيارًا اقتصاديًا فحسب، بل مسألة تتعلق بالأمن القومي. ولولا الجهود المبذولة في استنباط تقاوي محسنة، وزيادة السعات التخزينية للقمح، لكانت مصر في وضع أكثر تأزمًا.


وتابع أنه في ظل عالم يتغير مناخياً بوتيرة أسرع مما توقع العلماء، تبقى الزراعة خط الدفاع الأول، والزراعة الذكية سلاح المستقبل. ومصر، بما تمتلكه من إرادة سياسية وعلمية، تخوض هذه المعركة المصيرية بثقة وعلم، مدفوعة بأمل حماية الأرض، وتأمين غذاء الأجيال القادمة.