الخميس 28 مارس 2024 مـ 10:59 صـ 18 رمضان 1445 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

انقذوا معرض صحارى «الدولي»

القاهرة

كل شيء يسير في مصر حاليا لتتحول فعالياتها إلى مستوى "دولي"، اتساقا مع معطيات وواجبات "الجمهورية الجديدة"، ما عدا ما هو دولي منذ أكثر من 15 عاما، وتحديدا معرض صحارى الزراعي، الذي يغلق اليوم الأربعاء 14/9/2022 كتابه رقم 34، مسجلا تراجعا مخيفا ينذر لدى متابعيه وعشاقه بتحرير "شهادة وفاته".

بدأ المعرض عام 1987 داخل قاعة صغيرة في أحد فنادق مصر، وافتتحه الراحل الدكتور يوسف والي وزير الزراعة الأسبق، الذي أعطى من وقته وفكره الكثير لهذا الحدث، واحتضن مؤسسه أيمن نيل، ثم راح عاما بعد عام يساهم في توسعاته وتطوير أدائه، حتى دخل خريطة المعارض الدولية.

ودرجة "دولي" لا يتقدم إليها فرد أو كيان أو حدث، كي يفوز في اختبارات مؤهلة لها، أو يرسب، لكنها تاج يسقط على رأس صاحبها، إذا ذاع صيته، وبلغت نتائج أعماله أسماع متابعيه ممن يهتمون بطبيعة نشاطه.

فمؤتمرات شرم الشيخ، تساوت مع "دافوس"، في سنوات قليلة، وذلك بفعل الاهتمام الرسمي بها، إعلاميا وشعبيا، وبفعل جهود مؤسسة الرئاسة، سواء في توجيه الدعوات، أو التنظيم، أو تجهيز وسائل الوصول إلى أرض الحدث، وليس وسائل التواصل فقط، التي أنفقت فيها شركة "إنفورما" الملايين، وكان حصادها لا يتناسب مع حجم الحدث، رغم ظهوره في حلة تليق بدرجة "دولي" وزيادة.

زرنا معارض دولية عربية إفريقية وآسيوية، وأخرى أوروبية، وتابعنا المعارض الأمريكية والروسية، التي تتصف بوصف "دولي"، ورأينا الاهتمام الحكومي بها، مثل افتتاح ملك المغرب أو ولي عهده معرض "مكناس"، وافتتاح الرئيس الفرنسي معرض باريس الزراعي، وافتتاح المستشار الألماني معرض "فروت لوجستيك" - برلين، وهي معارض لا تسبق كثيرا معرض صحارى من حيث التاريخ.

وزارة الزراعة المغربية تقيم جناحا معيشيا متكاملا للوزير داخل أرض معرض "مكناس" الدولي، فينقل معيشته كاملة فيه، قبل المعرض بشهر كامل، ولا يغادره إلا بعد رفع تجهيزات وأنقاض الدورة المنتهية، ليبدأ بنفسه إدارة تسويق دورة جديدة، ليحظى بعدد زوار لا يقل عن مليون زائر على مدار 4 أيام.

في المعارض الأوروبية والأمريكية، تجد خرائط المعرض على كاونترات الفنادق والمطاعم والمقاهي، وتتحول الباصات العمومية إلى لوحات إعلانية متحركة، لنقل الزائرين مجانا من جميع الضواحي والمدن، إلى أرض المعرض.

هذه المعارض لا تحظى بدعم أو مسؤولية وزارة الزراعة فقط في الدول المنظمة، لكنك تشعر بأن وزارات عديدة تتولى أمورها تنظيميا ودعائيا ولوجستيا وأمنيا، ووزارة السياحة هي الفائز بنتائج الحدث، الذي يرفع الإشغال في الفنادق والمطاعم والمقاهي ومولات التسوق إلى درجة Full أي ممتلئ.

المصريون المرتبطون بالمعارض الخارجية يهتمون على مدار العام بمواعيد حجز الطيران والفنادق، وتجديد التأشيرات، وترتيب متطلبات السفر، كما تذكرهم الرسائل الإلكترونية بموعد الحدث، لأن أرقامهم مسجلة في سجلات الزائرين، كما ظل القرويون المصريون لسنوات طويلة مضت يربطون مصالحهم في القاهرة بتوقيت معرض "صحارى"، الذي أصبح بعيدا عنهم لقلة وسائل الوصول.

والصورة التي ظهر بها معرض صحارى "الدولي" في دورته الرابعة والثلاثين، كانت لافتة للأنظار من حيث الفخامة والديكورات ونظام التسجيل الإلكتروني، والدخول والخروج من بوابات القاعات الفسيحة التي تستوعب أكثر ما يستوعبه معرض باريس الدولي الذي يحظى بألف عارض من 40 دولة، ويحجه 700 ألف زائر، مقابل 170 عارضا فقط و30 ألف زائر لمعرض صحارى.

لم تدخر الشركة المنظمة (بريطانية) جهدا أو مالا لإخراج العرس السنوي في صورة تليق بدرجة "دولي"، لكن وزارات السياحة والنقل والتجارة الخارجية والتربية والتعليم، والتعليم العالي، والصحة، لم تنتبه إلى أن هذا الحدث ليس زراعيا فقط، بل تصب نتائجه في رصيد وخزائن جميع وزارات مصر، اتساقا مع مسمى "الجمهورية الجديدة".

"الجمهورية الجديدة" أقامت مركزا للمعارض الدولية، يتفوق إنشائيا، ولوجستيا، على مراكز معارض عالمية كثيرة، كما لم تجد في تصميمه صعوبة مركز برلين للمعارض "مسي برلين" في العاصمة الألمانية، إذ تبلغ مساحات القاعات الخمسة للمركز 50 ألف متر مربع، كما أن مركز المعارض يحتضن مساحات خارجية قد تزيد على ضعف الداخلية، إضافة إلى مواقف السيارات التي تستوعب وتفيض عن عدد السيارات المستهدف بزيارة المعارض.

لكن يظل الفرق الوحيد بين شركة وأخرى في التنظيم، فبينما احتفظت "إنفورما البريطانية" بالقوالب الرسمية والدعائية في خطة التنظيم والتسويق والتواصل عبر السوشيال ميديا، كانت الشركة المصرية "إكسبو" تعمل على طريقة "تربية الوِلْد"، فكان اهتمامها بالحشد الجماهيري من جميع نجوع مصر قبل قراها ومدنها، حتى ربط أبناء القرى مواعيد زياراتهم إلى القاهرة، بموعد العرس السنوي للوِلْد المصري الذي أصبح دوليا وعالميا، ويتطلع إلى الاحتفاظ بمكانته في "الجمهورية الجديدة".