جنوب أفريقيا تعيد النظر في تجارتها مع روسيا بسبب الرسوم الأمريكية

تواجه جنوب أفريقيا تحديات متزايدة في علاقاتها التجارية مع روسيا، مع تصاعد التهديدات الأمريكية بفرض رسوم جمركية جديدة، في خطوة قد تُحدث اضطرابا في سلاسل التوريد العالمية وتغير مسار تجارة البريكس.
فقد أعلنت وزارة التجارة والصناعة والمنافسة في جنوب أفريقيا عن مراجعة شاملة لاتجاهات التجارة مع موسكو، بعد تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول إمكانية فرض رسوم تصل إلى 100% على واردات بلاده من روسيا إذا لم تُحل الأزمة الروسية الأوكرانية خلال 50 يوما. ويأتي هذا في وقت تُخضع فيه الولايات المتحدة صادرات جنوب أفريقيا بالفعل لرسوم جمركية مرتفعة، تشمل قطاعات حيوية مثل الموالح، والنبيذ، والمعادن، ومكونات السيارات، ضمن خطط لفرض رسوم بنسبة 30%.
وفي عام 2024، ارتفعت التجارة بين جنوب أفريقيا وروسيا بنسبة 7%، لتصل إلى 864 مليون دولار أمريكي مقارنة بـ806 ملايين دولار في 2023، ما يجعل روسيا شريكا تجاريا متوسط الأهمية – في المرتبة 46 كوجهة تصدير و39 كمصدر للاستيراد – وهو ما يخفف نسبيا من تداعيات أي اضطرابات محتملة.
لكن التأثيرات غير المباشرة تبقى مقلقة إذ أن العقوبات الغربية المفروضة على روسيا لا تشمل جنوب أفريقيا مباشرة، إلا أن الشركات الجنوب أفريقية قد تواجه عوائق في الوصول إلى أسواق الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى التعقيدات الناجمة عن استبعاد البنوك الروسية من نظام "سويفت"، مما يزيد من صعوبة العمليات المالية والتجارية.
ورغم التحديات، ترى بعض الجهات فرصة في هذه التحولات. فقد أوضحت ياندييا ماشاو، مديرة العلاقات التجارية الأوروبية بشركة جنوب أفريقيا لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، أن هناك مجالات لا تزال مفتوحة للتجارة القانونية مع روسيا، مثل المنتجات الزراعية والأدوية والمستلزمات الطبية، مؤكدة أن هذه القطاعات غير خاضعة للعقوبات، ما يمنح جنوب أفريقيا مساحة لتعزيز صادراتها الغذائية.
ويعد قطاع الطاقة النووية الروسي، وخاصة شركة "روساتوم"، من القطاعات التي لا تزال نشطة في السوق الدولية، مما يفتح آفاقا جديدة للتعاون مع بلدان مثل جنوب أفريقيا، رغم تعقيدات الوضع الجيوسياسي.
في المقابل، تبدي البنوك الجنوب أفريقية حذرا شديدا في تمويل أي معاملات مرتبطة بروسيا، ما يدفع 70% من التجارة الثنائية إلى المرور عبر دول وسيطة، وفقا للجانب الروسي. كما تمنح العقوبات الروسية المفروضة على الدول الغربية فرصة لصادرات جنوب أفريقيا الزراعية لدخول السوق الروسية بشكل أوسع.
واعتبر مايكل هيوستن، من شركة "جرافين إيكونوميكس"، أن توجهات ترامب الجمركية تسببت في حالة من عدم اليقين العالمي، داعيا الشركات الأفريقية إلى إعادة النظر في سلاسل القيمة، خاصة تلك التي تصنع مكونات تصدر إلى الولايات المتحدة. وأكد أن أي تعديل في أسعار التحويل أو سلاسل الإمداد المرتبطة بالرسوم قد يكون له آثار واسعة على اقتصادات القارة.
في ظل هذا المشهد المعقد، تجد جنوب أفريقيا نفسها مطالبة بتحقيق توازن دقيق بين التزاماتها مع شركاء البريكس ومصالحها الاقتصادية مع الغرب، في وقت تتسارع فيه التحولات الجيوسياسية والتجارية على مستوى العالم.