سخا تستغيث: أنقذوا كنز الأرز من الضياع

قال الدكتور حمدي الموافي، الخبير الدولي في زراعة الأرز ورئيس المشروع القومي لتطوير زراعة الأرز في مصر، في قلب دلتا مصر، وتحديدًا داخل محطة البحوث الزراعية بسخا التابعة لوزارة الزراعة، والتي تُعد من أكبر وأهم المراكز البحثية في الشرق الأوسط، تتعرض ثروة قومية نادرة لخطر داهم يهدد الأمن الغذائي المصري برمّته. مشروع وطني ضخم يُعنى بتطوير سلالات الأرز الفريدة والهجينة، أصبح اليوم في مرمى التخريب العشوائي والانفلات الأمني، دون حماية تذكر.
وأطلق، الخبير الدولي في زراعة الأرز ورئيس المشروع القومي لتطوير زراعة الأرز في مصر، تحذيرًا شديد اللهجة بشأن ما وصفه بـ"الكارثة الصامتة" التي تهدد آلاف السلالات الوراثية للأرز النادر، والتي تمثل إحدى أهم الثروات الزراعية في العالم. هذه السلالات، التي طورها علماء وباحثون مصريون على مدى سنوات، تزرع سنويًا في مشاتل خاصة داخل محطة سخا تحت ظروف دقيقة لمواجهة التغيرات المناخية وندرة المياه.
الطُعم يدمر الأمل
بحسب الدكتور الموافي، فإن المشكلة بدأت عندما استغل بعض الخارجين عن القانون وجود "دودة الأرض" – التي تُستخدم كطُعم لصيد الأسماك – في الأراضي الزراعية، ليقوموا ليلاً باقتحام المزارع وحرث الأرض بحثًا عنها. مقابل بضع كيلوجرامات من الطُعم، تُباع الواحدة منها بنحو 400 جنيه، يتم تدمير سلالات من الأرز لا تُقدّر قيمتها بملايين، بل بمليارات الجنيهات.
ويؤكد الموافي أن هؤلاء المخربين يعبثون بالشتلات والتراكيب الوراثية النادرة، والتي يحتاج تطويرها إلى سنوات من البحث والعمل المعملي والميداني. وتُعد محطة سخا هي الموقع الوحيد في مصر الذي يحتوي على هذه المشاتل، ما يعني أن أي ضرر يصيبها لا يمكن تعويضه.
بلطجة بالسكاكين وتهديد لحياة العلماء
الخطورة لا تقتصر فقط على ضياع المحاصيل؛ فالعاملون في هذه المشاتل باتوا يواجهون خطرًا مباشرًا على حياتهم. إذ يلجأ المعتدون إلى استخدام الأسلحة البيضاء، من سكاكين ومطاوي – لتهديد أي شخص يحاول التصدي لهم. ويشير الدكتور الموافي إلى أن مدير محطة البحوث نفسه تعرض للاعتداء بالضرب على يد هؤلاء البلطجية، في واقعة تكشف مدى التسيّب الأمني وغياب الردع.
ورغم تحرير محاضر رسمية عديدة ضد المعتدين، فإن الجهات المعنية لم تتخذ إجراءات فعالة تضع حدًا لهذه الانتهاكات المتكررة. بل وصل الأمر إلى تهديد الباحثين بالسجن من قبل الجناة أنفسهم تحت ذريعة "الدفاع عن الطُعم"، وهو ما وصفه الموافي بأنه "إهانة للعلم وللباحثين، واستهانة بالأمن القومي الغذائي للدولة".
سرقة منظمة وغياب الحماية
وتتفاقم الأزمة مع نهاية كل موسم زراعي، حيث تُسرق سلالات كاملة من الأرز النادر بهدف الاتجار بها، في ظل غياب أي نوع من الحماية الأمنية. ويؤكد الموافي أن مشروع الأرز القومي في مصر لا يملك سوى محطة سخا كموقع وحيد لحفظ هذه السلالات، مشيرًا إلى أن البلاد فقدت بالفعل سابقًا شحنات بحثية وسلالات نادرة قُدّرت قيمتها بملايين الجنيهات، نتيجة الإهمال وسرقة محتويات المشاتل.
ويوضح أن عدد السلالات المعرضة للخطر يصل إلى أكثر من ستة آلاف سلالة من الأرز، يُزرع معظمها في ظروف معملية دقيقة، تمهيدًا لتطوير أصناف أكثر قدرة على مقاومة الظروف المناخية الصعبة وشح المياه.
نداء أخير: الباحثون في خطر والثروة الوراثية تنهار
في ختام تصريحاته، وجه الدكتور حمدي الموافي نداءً عاجلًا للجهات الأمنية والحكومية، مطالبًا بتوفير الحماية الفورية للباحثين والعلماء العاملين في المحطة، وتأمين المشاتل التي تضم كنوزًا علمية وزراعية لا تُقدّر بثمن.
وقال:"نحن أمام تهديد حقيقي لمصدر رئيسي من مصادر الأمن الغذائي في مصر. ما يحدث ليس فقط تخريبًا، بل نزيفًا للعلم ولثروات وطنية استثمرت فيها الدولة سنوات من الجهد والأموال. لقد أوصلنا الرسالة مرارًا، والآن لم يعد هناك وقت للتأجيل."