الجمعة 26 أبريل 2024 مـ 02:04 صـ 16 شوال 1445 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

إلى الجهات الرقابية: ليس الإجماع دائما على حق

لا أحد يشك في نزاهة الجهات الرقابية المسئولة عن النظر في صلاحية المرشحين للوظائف القيادية في الجهاز الإداري للدولة، لكن الثقة المتناهية أيضا تلازمها نظرية فقهية تقول: ليس الإجماع دائما على حق.

ما يدفع هذه القاعدة للتفعيل، تداخل أعمال الجهات الرقابية، بسبب مستجدات الظروف التي تعيشها مصر حاليا، مع اتساع قاعدة الجهاز الإداري للدولة، ومع تعدد أشخاص وكيانات ومجموعات ولجان الجهات الرقابية.

 ولأن الكيان البشري ليس منزها عن الخطأ، ولأن الأخطاء هي التي تضع فاصلا واضحا بين البشر والملائكة، يجب التسليم بإمكانية دخول السجون "مظاليم جدد".

هذا الحديث تفرضه بعض حالات الإبعاد في المناصب القيادية الوظيفية في مؤسسات الدولة، والمرتبطة غالبا بجملة "إبعاد بتوصيات جهات رقابية"، وحين تتعجب أو تستفهم، يفاجئك المسؤول بأن من ينظر من أعلى، يرى بشكل أوضح.

ولأن الجهات الرقابية غالبا ما تبرر توجيهاتها وتوصياتها، بأنها تراقب بألف عين، في الوقت الذي لا يملك فيه المسؤول المباشر سوى عينين فقط، فهنا يجب الأخذ في الاعتبار أن الأعين الألف للجهة الرقابية، ربما تكون من بينها عينين في رأس شخص صاحب غرض شخصي تجاه أحد القياديين، فيكيد له كيدا، وبالتالي يصبح تقريره موثوقا أمام إدارته، ليصبح الرأي حقيقة لا تقبل الشك، ولا المعارضة، ولا يشفع معها استئناف التحقيق، حتى لو تقدم القيادي محل الشك بوثائق تثبت براءته مما علق به بناء على رأي شخص واحد.

هذه الأمور، وهي محتملة الحدوث في الأوساط الوظيفية الحكومية، تزيد قائمة المظاليم يوميا، وترفع مؤشر الكيد، وتعيد قوة المحسوبية إلى دولاب العمل الحكومي، فتكون النتيجة تعيين "قياديين على المزاج"، أو "بالمقاس"، فيصبحون دٌمى في أيدي من ساعدوهم على الفوز بمناصبهم، وهنا تكثر التجاوزات، وتتعدد حالات تخطي اللوائح، ما دام "البيه مسنودا"، أو "مَرضِ عنه" في دوائر الجهات الرقابية.

يحدث هذا الأمر عادة بدرجة ملحوظة في أوساط المحليات، خاصة في الوزارات الأكثر حساسية والتصاقا بالناس، مثل: الزراعة، والتموين، والصحة، والتربية والتعليم، والتضامن الاجتماعي، حيث تجد الشخص الحر النزيه، الذي يربط أداء عمله باللوائح والقوانين، غير مرغوب فيه من تجار الشنطة، سواء من بعض أعضاء البرلمان، أو بعض مراسلي بعض الصحف، فيكونوا عرضة لإثارة الغبار حول أعمالهم.

واقعتنان جديرتان بالذكر، توثق صحة هذا الحديث، الأولى حالة موظف حماية أراضي في محافظة الدقهلية، تم تضييق الخناق عليه، حتى اضطر لترك وظيفة "رئيس قسم حماية الأراضي"، بضغط من شخصين، أولهما رجل أعمال كان الموظف قد أزال له ملعب من الملاعب الجديدة التي انتشرت فجأة على بساط الأراضي الزراعية في جميع قرى مصر، خلال العامين الماضيين، وثانيهما مراسل صحفي طلب تقييم أرض زراعية مقام عليها مزرعة دواجن، على أنها كردون مبان"، وطالبه الموظف باتباع اللوائح.

الحالة الثانية، مدير إحدى إدارات الشئون الاجتماعية في الدقهلية أيضا، وهي امرأة، طالبتها نائبة الدائرة بتوزيع بطاقات الصراف الآلي الخاصة بصرف معاش "تكافل وكرامة"، من مقرها الخاص، وحين رأت المديرة أن هذا الأمر لا يستند إلى لائحة، تلقت التهديد والوعيد من النائبة، التي أخذت على عاتقها مهمة إبعاد المديرة من منصها.

حينما ينتصر صاحب الغرض الشخصي على موظف عمومي يرتبط باللوائح، يصبح القانون في مهب الريح، ويصبح المزيد من الأراضي الزراعية في قرى ومدن مصر عرضة للإعدام تحت قواعد العمائر الخرسانية، وتصبح أمكانيات الدولة وقيادييها وحراسها وسائل لتحقيق أغراض شخصية، لتتحول قضايانا بعد ذلك إلى معضلات تناقشها حلقات تلفزيونية، بعد أن تعذر حلها أو علاجها بالقانون.

والغريب أن القياديين في الوظائف العليا (وكلاء الوزارات)، غالبا ما يتشدقون بأنه لا تأثير على قراراتهم فيما يتعلق بإبعاد قيادي في درجة وظيفية أقل، وعلى الرغم من إيمانهم المطلق بنزاهة شخص ما في وظيفة ما، تجده مغلوب على أمره، حين يأتي قرار الإبعاد ملزما، وغير قابل للنقض، فيبرر ما حدث بالجملة الشهيرة: الجهات الرقابية تنظر من عل وبألف عين.

المنتصرون ضعاف النفوس يرقصون منتشين بما حققوه من أفعال شيطانية، مستخدمين بذلك قدراتهم الفولاذية وصبرهم على الشكاية، على الرغم من وجود علة قانونية أمام جهات التحقيق تتيح لهم عدم النظر في شكاوى هؤلاء، كونهم مزعجين لسلطات التحقيق، لكن ليس ضروريا أن تصد الدروع القوية كل الطلقات الطائشة، وغالبا ما تُسقِط هذه الطلقات ضحايا أبرياء.

ربما تستجيب الجهات الرقابية أحيانا لشكاوى متكررة من باب "سد الذرائع"، وغلق الأبواب التي تأتي من خلفها الرياح، "لتريح وتستريح"، لكن ربما تكون هذه الأبواب المشرعة، طاقات نور، أو نوافذ للرؤية في وقت تداخلت فيه الصور أمام الأعين، فيحدث الالتباس وتقع الأخطاء، على حساب المصحلة العامة للدولة، وتكون النتيجة النهائية خسارة معاول جيدة لحصاد خير، أمام قيادات ضعيفة منكسرة الأعين، بذارها فاسد، وغرسها ضعيف، وحصاده مر.