لجنة الزراعة والري: هل تعرفون الأمن الغذائي؟
إذا سألت عضو برلمان من لجنة الزراعة والري والأمن الغذائي، عن صفته، سيجيبك فورا بأنه النائب زيد أو عبيد عضو لجنة الزراعة، وربما يضيف الري، لكن احتمال أن يذكر 1٪ فقط من أعضاء اللجنة، الشِطر الثالث، المهم الغائب، الذي يتناسى معظم أعضاء البرلمان، أنه صمام الأمن القومي لأي دولة.
- ماذا يعني شِطر الأمن الغذائي، وما علاقة نواب البرلمان بهذه الإشكالية في هذا المقام؟
- كلي ثقة في أن المسؤولين عن عرض حالة البلاد والعباد على رئيس الدولة، لايزالوا يعملون وفق قاعدة "كله تمام يا فندم"، وتلك هي الأدلة:
1- لم نرَ أو نسمع حديثا أو طلب إحاطة أو استجواب أو مناقشة تحت قبة البرلمان، حول التدمير الحادث لصناعة الدواجن في مصر، وأثره على كساد تصنيع الأعلاف، والأدوية البيطرية، ووقف حال المربين، وعمالة لا تقل عن 4 ملايين عامل بأسرهم، وما يتعلق بها أيضا من تجارة نشارة الخشب، ثم زراعة الذرة، وكل ذلك بسبب استمرار فتح باب استيراد الدواجن المجمدة ومجزءاتها، رغم وجود لجنة رسمية مشكلة بقرار من رئيس مجلس الوزراء، بناء على قرار جمهوري، مهمتها النظر في طلبيات الاستيراد، ومدى حاجة الدولة إليها.
2- لم يتطرق عضو في لجنة الزراعة والري والأمن الغذائي، إلى ملف التزايد المضطرد في تكاليف مدخلات إنتاج الأغذية، سواء من مصدر نباتي أو حيواني، وذلك لاستمرار تزايد الأعباء المالية على استيراد مدخلات صناعة الأعلاف المعفية من الجمارك قانونا، وتزايد خطوات ومدد الإعفاء في الجمارك، لتحميلها مصاريف أرضيات.
- يُضاف إلى النقطة السابقة، الإصرار على توقيع ضريبة عقارية على حظائر الماشية، وعنابر الدواجن، وارتفاع أسعار الخدمات المقدمة لمشاريع الإنتاج الزراعي والداجني، مثل: السولار، والكهرباء، وتجاهل كون هذه المشاريع، وحدات إنتاجية ذات بعد يتعلق بالأمن الغذائي القومي، على الرغم من تخفيض أسعار الغاز لمصانع الحديد والصلب.
3- لم يلتفت أحد أعضاء اللجنة أو غيرها من اللجان، إلى أن وزارة التموين تتجاهل شراء المحاصيل الاستراتيجية من الفلاحين بالأسعار التي تضمن الربحية، وفقا للمادة 39 من الدستور، ليظل الأرز المصري مكدسا في المخازن، في ظل شراء الهندي لتوزيعه على بطاقات التموين، بأعلى جنيهن عن سعر المحلي الأجود.
- النقطة السابقة أيضا، يتبعها تدمير شركات صناعة قصب السكر والبنجر، بسبب إصرار "التموين" على شراء السكر المستورد، لتوزيعه على البطاقات بسعر 8 جنيهات للكيلو، مع اضطرار المنتجين المحليين لتخفيض أسعارهم إلى 6.5 جنيه، ولهذه الضربة تأثير سلبي مباشر على مزارعي القصب والبنجر، وكل ذلك مع استمرار "كله تمام يا فندم".
4- هل من بين أعضاء اللجنة كيميائي أو فني زراعي، لمساعدة وزير الزراعة بإصدار تشريع يساند أداء لجنة مراقبة الأداء والجودة على مصانع الأسمدة المتخصصة، والمبيدات، وذلك لمتابعة الإنتاج بما يضمن مطابقة كل تشغيلة مع عينة التحليل المخصصة للتسجيل؟
- ولتوضيح أهمية هذه النقطة، يجب أن يعلم نواب البرلمان، أن معظم ما يُلقى إلى أرفف محلات تداول الأسمدة والمبيدات، غير مطابق لمواصفات التسجيل، سواء في لجنة مبيدات الآفات، أو لجنة المخصبات، وللتأكد من ذلك، فبالإمكان الاستعانة بلجان وزارة الزراعة، وشرطة المسطحات، لسحب عينات عشوائية من على الأرفف أو المخازن وتحليلها، خاصة تحليل نسبة الكلوريد الضار في سلفات البوتاسيوم الصلبة المحلية، أو نسبة العناصر أو المواد الفعالة المسجلة على عبوات بعض الأسمدة السائلة، ومعظم المبيدات.
5- لم ينتفض أحد أعضاء اللجنة الممثلة للزراع ومربي الثروة الحيوانية والداجنة والسمكية، لتراجع أسعار بيع معظم الحاصلات الغذائية، والدواجن، من حقولها ومزارعها، عن سعر تكلفة إنتاجها، مع وصولها للمستهلك بأسعار غير رحيمة ترفع ضغط منتجيها الأصليين.
6- قد لا يعرف النواب المؤتمنين على الأمن الغذائي للأمة المصرية، أن هناك زراعات حالية منفلتة لا تستند إلى تخطيط أو سياسة زراعية واضحة، لمحاصيل فاقت إنتاجيتها في مصر حد التخمة، ومنها الزيتون، الذي تخطى إنتاجه القومي الاكتفاء الذاتي للمصريين، كما تراجعت فرصه التصديرية، بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، وتراجع أسعار العملات الأجنبية أمام الجنيه.
- في هذه النقطة، يجب التنويه إلى تراجع جودة الزيتون المصري، من حيث حجم الثمار، والعيوب الناتجة عن الإصابة بالآفات الحشرية والفطرية، خلال موسم 2019، وذاك بسبب التغيرات المناخية التي واكبتها فجوة بحثية هائلة في مواجهة هذا التحدي الطارئ، الذي أفرز تغيرًا حادًا في سلوك الآفات، ونقصا في عدد الساعات الضوئية معتدلة الحرارة، الكافية للتمثيل الغذائي الجيد.
7- معظم نواب البرلمان يعرفون أن حجم الصادرات الزراعية والغذائية في 2019، لم يحقق سوى 5.5 مليار دولار، مقابل نحو 160 مليار دولار لفاتورة الواردات الغذائية المصرية، وهذه الحقيقة أصبحت كداء صديق، اعتاده المصريون - منتجون ومصدرون ومسؤولون.
- المزعج في هذه النقطة، وجود مؤشرات حقيقية تتوقع تراجع قيمة الصادرات الزراعية في 2020، بنسبة 25٪ إجمالًا، و40٪ للموالح بسبب ذبابة الفاكهة، و60٪ للبطاطس بسبب الانصياع للاشتراطات التعسفية لدول الخليج، وبالتالي غلق القنوات العديدة الضيقة في وجه الصغار والمتوسطين.
- في هذه النقطة أيضا، لم ينتفض نائب في لجنة الزراعة والري والأمن الغذائي، لسؤال وزير الخارجية، ووزير الصناعة والتجارة الخارجية، عن سر عدم معاملة السعودية الصادرات الزراعية المصرية، كمثيلتها اليمنية، (البصل نموذجا)، حيث يدخل المحصول اليمني فوق الشاحنات، وهو الأسلوب الأمثل، فيما تشترط المملكة دخول البصل المصري في كونتينرات مبردة، حتى أصبحت أساطيل الشاحنات والتريلات المصرية معرضة للصدأ، مع تهديد أصحابها بالسجن، وسائقيها بالبطالة، مع العلم أن المسافة التي تقطعها الشاحنات اليمنية ليست أقصر من المسافة التي تقطعها شاحناتنا إلى السعودية.
8- لم يتنبه أعضاء اللجنة الموقرة، إلى التعنت البالغ للهيئة القومية لسلامة الغذاء مع صادراتنا الزراعية، بوضع اشتراطات تعسفية ومجحفة، على طريقة "ملكي أكثر من الملك"، في الوقت الذي تتخلى فيه عن واجباتها الأساسية في رصد مخالفات الأغذية المعروضة في الشوارع ومحلات التجزئة والمطاعم والأسواق، وكأنها معنية في الأساس بصحة الأجانب وليس بصحة المصريين، وقد لا يعرف مسؤولوها أن في المهمة الأخيرة مصلحة وطنية تتعلق بالصحة العامة، وتحسين السمعة الغذائية المصرية، بما يصب في صالح السياحة إلى مصر.
المحصلة: الإنتاج الغذائي والصادرات الزراعية، ليست مسؤولية وزارة الزراعة فقط، بل يجب تضافر جهود وزارتي "الخارجية" و"الداخلية"، والملحقيات التجارية في الخارج"، كل فيما يخصها، لاستثمار جهود وزير الزراعة الحالي، الذي يتمتع برؤية واقعية ورغبة صادقة، تمكنانه من إعادة الثقل السيادي إلى حقيبة "الزراعة المصرية".