نجح المصرفي فيما أخفق فيه علماء الزراعة
الضمان آفة الائتمان كما يرى المستثمرون صغارا وكبارا، على العكس من المصرفيين الذين لا يشغلهم في تحقيق المستهدف من الإقراض سوى ضمانة السداد، وهو حق أصيل يترجم مفهوم "الائتمان" محليا وعالميا.
لكن فقه الشيء لا يعرفه معرفة حقيقية سوى المجتهدون، الذين يؤمنون بالنصوص، ويثقون في أن ما لديهم من فكر ليس سوى أداة لتصريف الأفعال الصعبة والنصوص الجامدة، مثلما فعل السيد القصير وزير الزراعة واستصلاح الأراضي في باب "مبادرة البنك المركزي للإقراض بفائدة 5٪ متناقصة"، لمن أراد أن ينتقل من خانة البطالة إلى دائرة الإنتاج.
المبادرة بآلياتها الثابتة والمحددة بفروض معلومة، لم يكن يقدر على الاستفادة منها سوى من لديهم ضمانة برصيد بنكي، أو ملكية عقارية، أو شهادات ادخار أو سندات مالية حكومية ممسوكة للبنوك، وليس في هذه الشروط ما يجعلها قاسية، لكن في الوقت ذاته تجعلها بعيدة عن الدائرة الأوسع التي تضم نحو 70٪ من منتجي الدواجن وصغار المربين للماشية والأغنام.
وما نجح في تحقيقه السيد القصير وزير الزراعة الحالي، لم ينجح في تحقيقه وزير سابق من علماء الزراعة (أهل الخطوة الخضراء)، ليس لعجزهم، ولكن لافتقادهم فقه العمليات المصرفية والاقتصادية التي تتطلب خبرة بحقل "مخاطر الائتمان"، وهي الدائرة التي تمرس فيها القصير من خلال رئاسته إدارة مخاطر الائتمان في البنك الأهلي سابقا.
فاز القصير بالفعل بموافقة رئيس البنك المركزي على تفعيل آلية لاحتواء صغار المربين، سواء في مجال الدواجن التي حققت منها مصر الاكتفاء الذاتي، أو في مجال صناعة اللحوم الحمراء التي نستورد منها سنويا نحو 430 ألف طن تمثل فجوة غذائية مصرية بين ما ننتجه وما نستهلكه منها.
المستورون في مصر ليسوا في حاجة إلى إلحاق الشبع بوجبات التخمة، وإن كانوا سينجحون بها في إحراز المزيد من الأهداف التنموية القومية، لكن القاعدة العريضة التي قوامها 70٪ في حاجة ملحة إلى وجبة سد الرمق، وهذه وحدها تكفي لتحقيق الاكتفاء الذاتي من تحويل البتلو الصغير (60 كجم لحم مشفى) إلى كندوز لا يقل وزنه عن 500 كجم لحم قائم، أي نحو 300 كجم لحم مشفى.
إدخال صغار المربين في دائرة "الرحمة المصرفية"، يأتي بضمانة واحدة: أن المقترض مصري الجنسية .. وأن الدولة بما تملكه من آليات القوة المحققة على أرض الواقع حاليا، تستطيع ضمان حقها من أصل المشروع الذي ستشرف على تطويره وتشغيله بأيادي أهل الخبرة المحليين، كي تضمن نجاحه للمواطن، والدولة.
مصر بحاجة إلى مضاعفة إنتاجها من الدواجن (3.5 مليون دجاجة يوميا حاليا)، شرط التحقق من تطوير عنابر التربية ببرامج الأمن الحيوي، كي تنجح المساعي السياسية في تحرير عدة مناطق في مصر من تهمة "أنفلوانزا الطيور"، وبالتالي العودة إلى مرحلة ما قبل 2006، وذلك لتصدير الدواجن، وبيض المائدة، أي جني القيمة المضافة من حلقات صناعة الدواجن التي تقدر استثماراتها الحالية بنحو 75 مليار جنيه.
مصر بحاجة إلى ضخ الثقة في عروق شباب خريجيها وأبناء فلاحيها، لإعادة مفهوم القرية المنتجة والمشاريع الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، فهؤلاء هم تروس القاطرة الكبرى، وهؤلاء يبنون حائط الصد الوطني ضد الفقر والجوع والمرض، وتلك ضمانة الاصطفاف في طابور "حماة الوطن".