خطورة الفطريات علي الغذاء
مجموعة من الفطريات تتطفل علي غذائنا ثم تنتج سموم أشد فتكا من المبيدات علي الانسان, في 1960 تم رصد حالات موت لـ 100 الف ديك رومي في أحد المزارع في انجلترا دون ظهور أعراض ظاهرية لأمراض الطيور, مع البحث وجد انتشار لبعض الأعفان علي أعلاف تلك الحيوانات هو فطر اسبراجلس فلافوس (Aspergillus flavus) , بعد دراسة كميائية تبين ان سبب الوفاه هو مادة أفلاتوكسين بي (Aflatoxin , كما تم التعرف علي أفلاتوكسين جي (Aflatoxin G) كناتج إخراج لفطر يتبع نفس المجموعة و هو اسبراجلس برازيتيكس (Aspergillus parasiticus).
تبين بعد ذلك تواجد تلك الفطريات في التربة و اصابتها للنباتات ذات المحتوي الزيتي مثل الفول السوداني و الذرة والمكسرات, كما أوضحت الدراسات تسارع نمو الفطر في درجات الحرارة المعتدلة و الرطوبة المرتفعة مما جعل بيئة التخزين الغير جافة سبب في رفع مستوي التلوث.
و قد صنفت منظمة الصحة العالمية هذه المركبات علي أنها من أخطر السموم الطبيعية المسرطنة, حيث ان تركيزات قليلة جدا (15ppb) أحدثت سرطان في كبد حيوانات التجارب و الجدير بالذكر أن هذا المعدل يفوق 5 أضعاف قدرة أخطر المبيدات في السمية, لم يقف الأمر عند ذلك تبين في ما يعد ان حيوانات المزرعة التي تناولت كمية من تلك السموم غير كافية لقتلها أصبحت ألبانها مصدر تلوث للإنسان حيث تحورت بداخلها تلك السموم لشكل أخطر علي الانسان يسمي ام 1 (M1).
لم يسلم القمح وهو السلعة الاستراتيجية الأهم للمصريين, حيث كان حاضرا أحد أخطر الفطريات و هو الإرجوت, الذي ينتج حوالي 14 مادة كيميائية تتفاوت سميتهم مع تشابه أثرهم الضار علي الإنسان, وقد حددت هيئة الأغذية والأدوية الامريكية "FDA " النسب المقبولة للفطر في القمح بحيث لا تتجاوز 0.3 % و فى الشعير يجب أن لا تتجاوز 0.1 %.
تتلخص الأهمية الإقتصادية لتلك الفطريات في أنها مصدر تلوث غذاء الإنسان و الحيوان بالسموم المفرزة منها مما يسبب خسار اقتصادية كبيرة في فقد جزء من غذائنا و أعلاف الحيوانات مما يؤثر سلبا علي الانتاج الحيواني.
و قد قدمت الدراسات العلمية الكثير من المعلومات للحد من نشاط و انتشار تلك الفطريات, حيث تبين ان درجات الحرارة المعتدلة (20 الي 30 مئوية) تساعد علي نمو الفطر و انتاجه للسموم في حين تبين ان درجات الحرارة المنخفضة (10 مئوية) قد توقف انتاج تلك السموم, أما عن الرطوبة فان 17% رطوبة جوية درجة مثالية للفطر و مع ارتفاع الرطوبة يرتفع نشاط الفطر.
مبدئيا تعتبر الطريقة الاولي لتلوث المحاصيل بالفطر في مكان الزراعة لذلك تنصح منظمة الصحة العالمية (WHO) بزراعة أصناف مقاومة للفطر مع تطوير سلالات جديدة تحمل صفة المقاومة و ذلك علي صعيد الحقل, اما عن تخزين تلك المحاصيل و خاصتا ان منها سلع استراتيجية مثل الذرة والقمح, فان تطور الفطر و نشاطه الحقيقي يكون في ظروف التخزين السيئة من حيث عدم جفاف المخزن و ارتفاع درجة حرارة التخزين.
مكافحة السموم الفطرية, تكمن مكافحة السموم الفطرية في مكافحة الفطر مصدر السموم, لذلك فان استخدام بعض المبيدات الفطرية في معامل التربة تقلل كثيرا من احتمالات انتقال العدوي للمحصول وبعد ذلك نحافظ علي المحصول من ظروف البيئية لنمو الفطر بالتخزين الجيد (حرارة منخفضة و تهوية جيدة بهواء جاف قدر الامكان مع استخدام بعض مضادات الفطر مع الحبوب المخزونة و الاعلاف, و لا ننسي المكافحة الميكانيكية بإزالة الاجزاء المصابة بعد التعرف عليها بالعين المجرة او باستخدام اجهزة الرصد الضوئية ثم ابعادها لوقف العدوي الفطرية بين المنتج, كما ان تجفيف المنتجات (رطوبة اقل من 9 %) قبل تخزينها تساعد علي حفظها اثناء التخزين, كما تستخدم أشعة جاما للحد من نمو الفطريات أثناء التخزين (علما بأن تلك الطريقة محظورة في بعض الدول.
أما علي الصعيد الكيميائي للمكافحة فان بعض الاحماض العضوية وجد لا تأثير مضاد لنموا الفطر كبديل للمبيدات الفطرية مثل الأسيتك و البنزويك والسوربيك و أملاحهم و فوق اوكسيد الهيدروجين, كما أعطت عمليات التبخير بالامونيا و الفوسفين والاوزون نتائج جيدة جدا لتخللها داخل كل اجزاء المخزن لطبيعتها الغازية.
كما اوصت الدراسات بالمعاملة الحرارية التي تقلل كثيرا من التأثير السام بتكسير تلك المركبات و تحويلها لصور اقل سمية.
في النهاية نحن امام عدو فطري ينافسنا الغذاء ويضع سموما قاتلة ليصرفنا عن مصدر غذائه هو الاخر, لابد من الحفاظ علي غذائنا من الحبوب المخزونة و المحاصيل الزيتية التي هي هدفا له من التلوث بتك الفطريات واتخاذ المعاملات السابقة للحد من اثاره الضارة.
و لا ننسي ان الباحثين بمركز البحوث الزراعية قد قدموا الكثير من الابحاث و التجارة للحد من وصول هذه السموم للمواطن المصري منها الكشف عن تلك المركبات في الصادرات و الواردات و الاسواق المحلية للوقوف علي الحالة الحقيقية لتلك الملوثات في الغذاء و اعطاء الارشادات المطلوبة للحد من مصادر التلوث.
د/حسن عبدالحليم عبدالفتاح الجمال
باحث بالمعمل المركزي لتحليل متبقيات المبيدات و العناصر الثقيلة في الأغذية.