لماذا تختلف جودة الزيوت العطرية بين النباتات؟

كشف الدكتور ربيع مصطفى، أستاذ النباتات الطبية والعطرية بمعهد بحوث البساتين، عن جوانب علمية مهمة تتعلق بتواجد الزيوت الطيارة في النباتات، وطرق استخراجها، والعوامل التي تؤثر على جودتها وكمّها.
الزيت الطيار: ليس في كل جزء من النبات كما تعتقد!
يوضح الدكتور مصطفى أن الزيوت العطرية لا تتوزع بالتساوي داخل النبات الواحد أو بين الأنواع المختلفة من النباتات. فمثلًا، تحتوي أزهار البنفسج المصري على نسبة ضئيلة تبلغ 0.15% فقط من الزيت الطيار، بينما ترتفع النسبة إلى 1.6% في أوراق النعناع الجافة، وقد تصل إلى 7% في ثمار الكراوية، ما يُظهر مدى التنوع الكبير في طبيعة توزيع هذه الزيوت.
وتوجد هذه الزيوت إما بشكل حر مباشر في خلايا النبات، كما هو الحال مع زيت الورد، النعناع، البردقوش، والريحان، أو على هيئة مركبات جليكوسيدية، لا يمكن استخلاصها إلا بعد تحللها مائيًا باستخدام إنزيمات أو أحماض، مثلما يحدث في زيت اللوز، زيت الخردل، والفانيليا.
كيف نُحدد الطريقة الأنسب للاستخلاص؟
ليست كل طرق الاستخلاص مناسبة لجميع النباتات، بل يعتمد الأمر على مجموعة من العوامل الدقيقة، أهمها:
ثبات الزيت الطيار ومدى تحمله لدرجات الحرارة.
شكل وجوده داخل النبات: هل هو في صورة حرة أم مقيد بجزيئات أخرى؟
موقع إنتاجه الحيوي: داخل الخلايا أم في غدد خارجية؟
نسبته داخل النبات، ونوع العضو النباتي الحامل له، سواء أوراقًا، أزهارًا، ثمارًا، أو بذورًا.
حالة المادة النباتية: مجففة أم طازجة.
كل هذه الاعتبارات تحدد بشكل مباشر الطريقة المثلى لاستخلاص الزيت بأعلى جودة وأعلى مردود اقتصادي.
ولفت إلى أنه في عالم تتسارع فيه وتيرة العودة إلى الطبيعة، تتصدر الزيوت العطرية المشهد كواحدة من أكثر المستخلصات النباتية قيمة وتنوعًا في الاستخدام. من بين أعشاب الحقول وأزهار الحدائق، تنبعث روائح تحمل في طياتها أسرارًا كيميائية فريدة، تستخدم في الطب، وصناعة العطور، والتجميل، بل وحتى في بعض الصناعات الغذائية
العوامل المؤثرة في جودة الزيوت العطرية
أوضح الدكتور مصطفى أن العمليات الزراعية التي تسبق الحصاد تلعب دورًا حاسمًا في تحديد جودة الزيت، بدءًا من التسميد والري واستخدام منظمات النمو، ووصولًا إلى الظروف البيئية التي نبت فيها النبات، مثل درجة الحرارة، الرطوبة، والتعرض لأشعة الشمس.
كذلك يُعد توقيت الحصاد أمرًا محوريًا، حيث تختلف تركيزات الزيوت تبعًا لمرحلة النمو وفصل السنة وحتى توقيت الحصاد خلال اليوم. وأضاف أن طريقة الاستخلاص ومدى دقتها تتطلب اختيار الأسلوب الأنسب بناءً على نوع الزيت والعضو النباتي المستخدم، وحالته من حيث الرطوبة.
التقطير.. أقدم وأشهر طرق استخلاص الزيوت
من بين طرق الاستخلاص المتعددة، يظل التقطير هو الأكثر شيوعًا واستخدامًا، وذلك لكونه طريقة اقتصادية وفعالة. وتعتمد فكرته على تمرير بخار الماء عبر النبات لاستخلاص الزيت في صورة بخار، ثم تكثيفه وفصله عن الماء.
الاحتياطات الأساسية قبل التقطير:
جمع النباتات قبل الظهيرة لتقليل الفاقد من الزيت.
تجنّب الحصاد أثناء الأمطار أو الغيوم.
تقطيع العشب لأجزاء صغيرة لزيادة الكفاءة.
إزالة الحشائش الغريبة والأتربة.
نقع بعض البذور (مثل اللوز المر) بالماء لتحفيز التحلل الإنزيمي قبل التقطير.
استخدام وحدات تقطير مقاومة للتآكل.
ويُفضل أن تتم عملية التقطير عند درجة حرارة لا تتجاوز 100 درجة مئوية وتحت ضغط منخفض للحفاظ على مكونات الزيت الفعالة.
أنواع التقطير: متى نستخدم كل منها؟
1. التقطير المائي
تُغمر المادة النباتية بالكامل في الماء، وتُستخدم هذه الطريقة مع النباتات الحساسة، مثل أزهار الورد وزيت الصندل. إلا أن عيبها الرئيسي هو صعوبة التحكم في درجة الحرارة، ما قد يؤدي إلى احتراق المكونات.
2. التقطير المائي البخاري
تُوضع المادة على شبكة فوق الماء، ويُسمح للبخار بالمرور خلالها، وهي مثالية لـ أوراق الموالح، الكافور، والقرفة.
3. التقطير بالبخار
يُولَّد البخار خارجيًا ويُدخل مباشرة إلى الإناء، دون استخدام ماء داخل الجهاز. ويُستخدم هذا الأسلوب لاستخلاص الزيوت من النعناع، اللافندر، الزعتر، والبردقوش.
الزيوت العطرية... من الحقل إلى رفوف الأسواق العالمية
في الختام، تُعد الزيوت العطرية نتاج تفاعل معقد بين النبات والبيئة والإنسان، وتتطلب دقة علمية في التعامل معها منذ الزراعة وحتى الاستخلاص. ولا تقتصر قيمتها على الرائحة أو الاستخدام الجمالي، بل تمتد إلى آفاق دوائية واقتصادية وتجارية واسعة، تجعل من كل قطرة زيت عطر قصة علمية واقتصادية تستحق أن تُروى.