الجمعة 19 أبريل 2024 مـ 04:15 صـ 10 شوال 1445 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

الكثير من النفخ في الزبادي يفسده

صحيح أن من "لسعته" الشوربة الساخنة مرة، يضطر للنفخ في الزبادي مرات، لكن هذه القاعدة مشروطة بالجوع الذي غالبا ما يلغي المسافة بين ما هو نار وحارق، وما هو برد وسلام.

لا أحد يعلم حقيقة ما يدور حول أي حقيبة وزارية، أو خفاياها الداخلية، بعد أن تذهب ليدي وزير جديد، فربما تكون هناك توجيهات ذات رؤية شديدة الخصوصية وبعيدة عن الواقع تفرضها تداعيات أمنية ورقابية، فتغل يدي الوزير، وربما يفرض حذر الوزير نفسه كثيرا من التريث في اختيار فريق القيادات المعاون له، فيمعن في تحري الدقة حتى يضمن تحقيق المستهدف من وزارته.

ومع التسليم بمشروعية التأني والدقة في التحري، والنفخ في "اللقمة" عدة مرات قبل بلعها، يتطلع المستفيدون من الوزارت الخدمية والإنتاجية، مثل وزارة الزراعة خصوصا، إلى إحراز الوزير أهداف صحيحة سريعة، يسددها بمهارة، بعد استيفاء الفترة المنطقية لمرحلة استعراض القوى العاملة، والقوى الفاعلة، وغيرهما المعطلة كيدا أو ظلما في عهد سلفه.

- مع كل ذلك، لا ينبغي التمادي في تأخير مراحل الفرز، مخافة حدوث المزيد من التحلل في المواقع المنوط بالوزير إنقاذها، أو تحديثها، أو تصحيح أخطائها، لنقلها من خانة الخسائر أو الفشل الذي فرض التغيير الوزاري.

- الأمر لا يخص وزارة بعينها، بل من المؤكد أنه يشمل كل الوزارات المبتلية بتغييرات كثيرة، وأخص منها هنا وزارة الزراعة، التي تمثل معظم دائرة اختصاصي وخبراتي العلمية والعملية، حيث شهدت في عهد الوزير الحالي، قرارين رشيدين فقط في نحو 75 يوما، وهو عزف شديد الهدوء يطغى عليه صخب المرحلة الراهنة، ويخيب الآمال المرجوة من رجل يُنتَظر منه إعادة الاعتبار لهذه الوزارة المكلومة، خاصة أنه ليس من أصحاب الأيادي المرتعشة - بحكم سيرته المهنية.

- الوزارة تملك آليات عديدة وأملاك ثقيلة على الحصر، حجما وثمنًا، ومنها على سبيل المثال: قطاع الإنتاج الذي يقاس بحجم وزارة إنتاجية متكاملة، حيث يدير نحو 60 ألف فدان من أجود الأراضي الزراعية في عموم مصر (وادي قديم وصحراء)، وأكثر من 30 مزرعة ماشية، وتُرِك في يدي موظف من العيار الخفيف، يصلح بالكاد لوظيفة سكرتير ثان، وهو إرث الوزير السابق، الذي كان قد قطع على نفسه وعدا بأن يغير الكثير من القيادات الفاشلة، إذا تم تجديد الثقة فيه، لكنه ذهب دون أن يخلع كل المسامير التي دقها في مضمار غيره، فاستوجبت الاستعانة بخبير إزالة ألغام كي يمهد الطريق لخلفه.

- نجح الوزير الحالي ونائبه في تطهير بعض خرابات قطاع الإنتاج، من الإنس الذي استحسن التنطع في الظل، أو من الجان الذي استأنس السكنى في المزارع الخربة، فأحرق زرعها، وجفف ضرعها، لتكون مهمة الرجلين ومن معهما من القلة المخلصة، إطفاء الحرائق وصرف الجان، بدلًا من إضافة حلقات جديدة منتجة.

- من ممتلكات وزارة الزراعة وتوابعها أيضا: 28 مديرية زراعة في كل محافظات مصر، و7 إدارات مركزية ومشاريع فنية، تتبع قطاع الخدمات والمتابعة، وهذا القطاع بحجم وزارة خدمية مترامية الأطراف، وبلغ رئيسه الحالي سن التقاعد، ويتطلب في الوقت الراهن قيادة فتية، شبت في دهاليز الزراعة، وتدرجت من أقل وظيفة في السلم المهني "مشرف حوض"، حتى ترقت إلى أعلاها "مدير عام"، وما بينهما من درجات ومراتب، ومن المؤكد أن الوزارة تملك الكثير من هذه النوعية التي خاضت اختبارات وحصلت على دورات، استوجبت موافقات أمنية من جميع الجهات الرقابية المعنية بالفحص الشامل الدقيق الأمين.

- قطاع الخدمات يشبه مخلوقا خرافيا، يتكون من رأس عملاقة ب28 ذيلا (المديريات)، تتفرع عن كل ذيل شعيرات مركزية "الإدارات الزراعية"، وتنبت في عمود هذه الشعيرات عدة أهداب فاعلة (5425 جمعية تعاونية زراعية)، وفيها يُستزرع النجاح، أو يُسْتَنبت الفساد لإفقار الفلّاح.

- هذا القطاع معني بإدارة شؤون المديريات ومشاكلها، وحماية الأراضي الزراعية من التعدي عليها بالبناء، وإدارة ملف مكافحة آفات النباتات، وإدارة ملف الحجر الزراعي (صمام أمان الصحة النباتية)، إضافة إلى إدارة ملف التعاون الزراعي وما به من مفازات ومغارات ومفرخات للفساد، وإدارتي إنتاج التقاوي، واعتماد وفحص التقاوي، ومشروع العفن البني في البطاطس، وكلها إدارات تتطلب قياديا باختصاصات وزير وطني وأمين.

- لا أحد يتنبأ بما سوف يحدث في قطاع الاستصلاح، الذي يتبعه أكثر من مليوني فدان، و668 جمعية تعاونية زراعية، وذلك بعد أن تركه الرجل الذي كان قد انتشله من القاع، ليتم تكليفه بأعباء ثقيلة، كسند ودعم حقيقيين لوزير الزراعة الحالي.

- البطء الشديد في إعلان حركة التنقلات والتغييرات، يحقق عدة نتائج سلبية، أهمها: التمادي في تحقيق خسائر على أيدي القدامى، ومنحهم الفرصة في طمس حقائق وإخفاء ملفات مهمة، وزرع عناصر تحرس صناديقهم السوداء، أو تغطي بالوعات فسادهم حتى لا تزكم الأنوف فتدل على مصائبهم.

- ومن أشد سلبيات البطء أيضا، زيادة الضغط على الوزير ونائبه، حيث يضطران لحمل مالا طاقة لهما به، بصفتهما المسؤولين المباشرين أمام القيادة السياسية، والبرلمان، والرأي العام، عن النجاح في تضييق فجوة غذائية قوامها نحو عشرة مليارات دولار ، يمكن حقنها في عصب الاحتياطي النقدي الأجنبي، أو الفشل الذي يُراد للأيادي المنتجة من جهابذة استيراد الحبوب الاستراتيجية والدواجن ومجزءاتها وزيوت الطعام.

- ومن عوامل الضغط التي ستقطع عرى اليقين في قدرة السيد القصير، ما يثار حول افتقاد الوزير لصلاحيات الاختيار الحر، واضطراره لانتظار ما تفرج عنه صمامات أمان الأجهزة الرقابية المعنية بتدقيق النظر من المنظور الأعلى، لضمان تنقية أكبر مساحة رؤية ممكنة من "العفاريت"، لكن يُخشى من أن تُترَك الطبخة وقتا أطول من اللازم، فتفسد بفعل البكتيريا الانتهازية.

- فإلى الجهات الرقابية التي تتعلق بها آمال شعبنا في الأمن والأمان، وبكلمات مباشرة: ليس كل من تعاون مع الجماعة المحظورة إبان حكمها كان يعمل من أجلها، بل من أجل تسيير عجلة البلاد، وخدمة العباد.
- وأخيرا: إذا كنتم تبحثون عن معصومين .. فليسا بيننا الآن أنبياء.