وزير التموين باشا: لماذا لا تسمعنا؟
لا أحد في أمريكا ولا في أفريقيا الوسطى أو الكنغو وملاوي، يجرؤ على محاربة الفلاح/ منتج الغذاء، سواء كان حصاده نباتيا أم حيوانيا.
وما يحدث في مصر، الدولة التي عاشت مستورة طوال أكثر من خمسة آلاف عام، بدعم الفلاحة، يدعو إلى التبجح في طرح السؤال:
- لماذا لا يسمعنا وزيرا التموين والتجارة الخارجية؟
وكي لا يتشتت صوتنا، نحدده في عدة آهات، كالتالي:
* الأرز المصري مكدس في المخازن من العام الماضي، وانضرب سعره بسبب زيادة الإنتاج على الاستهلاك بنحو 1.5 مليون طن، ويتصور الوزير أن عقاب الفلاح الذي خالف خطة الدولة في الزراعة، يتمحور في استيراد الأرز، لبيعه على بطاقات التموين، بدلا من شراء الأرز المصري.
* تنتج مصر صبيحة كل يوم نحو 3.5 مليون دجاجة، أي ما يزيد على الإنتاج يوميا بنحو 300 ألف دجاجة، تصل في مجملها إلى نحو 500 ألف كجم، ولا تستطيع تحقيق رفاهية المربي، ولا تضمن السعر الرحيم بالمستهلك، بسبب إصرار وزير التموين على استيراد المجزءات المعيبة.
* زرع الفلاح الذرة بديلا للأرز، والتزم بتقاوي وزارة الزراعة الموفرة للمياه وعالية الإنتاجية، ولم يجد جهة لتوريد محصوله إليها، فاضطر لفرمه غير ناضج لحساب مربي الماشية، وبالسعر الجبري (5000 إلى 7000 جنيه/ فدان)، لأن وزير التموين يرفض إدخال نسبة من دقيق الذرة إلى الرغيف المدعم.
* عرف الفلاح المصري زراعة الخضروات، مستثمرا البحوث، والطاقات الاستيرادية في جلب الهُجُن غزيرة الإنتاجية، فأفلح في حصاد البطاطس والطماطم والفاصوليا والفلفل بألوانه العديدة والباذنجان والكوسة والخيار، وبها ومعها دخل نفق الخسائر، ليجد نفسه مجبرا على هجر الزراعة واستئناس "توكتوك"، لعدم حصول منافذ "التموين" على مشترواتها من جهة تسويقية زراعية.
* آمن المصري بدعاوى التوسع وتعمير الصحاري والهروب من شريط الوادي والدلتا، فاستصلح الصخور، وخصّب الرمال وأحجار الكالسيوم العنيدة، فأثمرت الموالح والمانجو والكمثري والتفاح والبرقوق والمشمش والخوخ، ثم التين والزيتون والنخيل والأعناب والرمان، وأصبح مصيرها أنفاق الأرض، لغياب الصناعات التحويلية لفوائضها.
* وقفت الدولة المصرية - متمثلة في وزارتي التموين والتجارة الداخلية، والصناعة والتجارة الخارجية، عاجزة عن تطبيق المادة 29 من الدستور التي بموجبها "تلتزم الدولة بحماية الرقعة الزراعية وزيادتها، وتجريم الاعتداء عليها، كما تلتزم بتنمية الريف ورفع مستوي معيشة سكانه وحمايتهم من المخاطر البيئية، وتعمل على تنمية الإنتاج الزراعى والحيواني، وتشجيع الصناعات التي تقوم عليهما، وتلتزم الدولة بتوفير مستلزمات الإنتاج الزراعي والحيواني، وشراء المحاصيل الزراعية الأساسية بسعر مناسب يحقق هامش ربح للفلاح، وذلك بالاتفاق مع الاتحادات والنقابات والجمعيات الزراعية، كما تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الأراضي المستصلحة لصغار الفلاحين وشباب الخريجين، وحماية الفلاح والعامل الزراعي من الاستغلال، وذلك كله على النحو الذي ينظمه القانون".
* هنا: يجد الوزيران ما يتسلحا به من مادة دستورية، لإحياء منظومة عاش عليها الشعب المصري، وعاشت عليها الدولة سنوات طويلة، استطاع فيها الفلاح الإنفاق على تربية الأبناء وتزويجهم وتخريج أطباء ومهندسين ومعلمين، من ريع الزراعة وتربية الماشية والطيور المنزلية.
* كان وزراء تموين ما قبل الدكتور اللواء المهندس علي مصيلحي، يشترون الأرز والقمح والذرة من المزارعين، بنظام توريد إجباري، حيث كانت حاصلات الفلاحين من نصيب أهل البندر بعد تدويرها في هيئة السلع التموينية، وكان وزراء التموين السابقين يفرضون إضافة نسبة جيدة من دقيق الذرة إلى صناعة الرغيف المدعم، وبالتالي تضمين شراء جزء كبير من محصول الذرة الشامية المحلية من الفلاحين.
* تملك وزارة التموين أكثر من 4000 منفذ لبيع الخضروات والفواكه واللحوم، وبإمكانها تأمين مشترواتها عن طريق الجمعيات التعاونية الزراعية (جمعيات التسويق) التي خضعت لمؤامرات تصفية غير معلومة الأسباب، وذلك بدلا من شراء سلع المنافذ التموينية من سوق العبور.
* تملك وزارة التموين حق تمويل بطاقات التموين بسلع غذائية، أهمها: الأرز، والسكر، وبدلا من شراء الأول من الفلاحين بالسعر الضامن للربحية، والثاني من شركات تصنيع البنجر والقصب، تستورد السلعتين من الخارج لأهداف غائبة ترفع الضغط والسكر لدى أبناء 60٪ من الشعب، ولتصبح شركات تصنيع السكر من القصب والبنجر غارقة في خسائرها، وهي شركات حكومية.
* أصدر رئيس الجمهورية قرارا بتكليف رئيس الوزراء بإصدار قرار يُلزِم وزارة التموين، بشراء الدواجن المحلية بسعر التكلفة + هامش ربح طفيف، وعلى الرغم من ذلك تستمر محاولات الوزارة لتجاهل المنتَج المحلي واستيراد مجزءات الدواجن المعيبة، لأهداف مستورة أيضا، تحاول بها جهات خفية تدمير صناعة الدواجن المصرية.
* تملك وزارة الزراعة إدارة أنشئت بقرار جمهوري تُعرَف باسم "الزراعات التعاقدية"، ولم تنفذ هذه الإدارة عقدا واحدا يمكن البناء عليه كنواة لتأسيس منظومة تريح الدولة من أعباء ثقيلة تتعلق بمسؤولياتها الدستورية تجاه الفلاح والمنتج الزراعي والتنمية الريفية عامة.
* تملك وزارة الصناعة والتجارة الخارجية ملحقيات تجارية في 196 سفارة لمصر في جميع دول العالم، كما تملك هيئة تختص بالصادرات، واتحادات نوعية لتنظيم الصادرات، ولا نحقق من عائدات صادراتنا ما يتناسب مع حجم إنتاجنا، وبالتالي يكون البخس والهدر مصير النسبة الأعظم من سلة منتجاتنا على كافة الأصعدة.
** رصد الحفر سهل، وتغطيتها وردمها وتعبيد الطرق فوقها، أسهل كثيرا، ليس بالكلام، ولكن وفق آليات تنفيذ يجب أن تكون مادة اختبار المواطن المصري، الذي يتم ترشيحه لتولي منصب يتعلق برفاهية الوطن والمواطن.
** ونهاية، أقوى الأسلحة المعينة على التنفيذ، هو سلاح القانون والدستور، وفي مجال الزراعة وإنتاج الغذاء وتنمية الريف تحديدا، لا مجال سوى التسارع نحو صفحة المادة 29 من الدستور المصري.