الجمعة 29 مارس 2024 مـ 03:24 صـ 19 رمضان 1445 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

شاهد على عصر ”راهب الزراعة المصرية”

فقدت مصر بانتقال العالم الكبير ورجل الدولة الإنسان (إلى رحمة الله تعالى) الأستاذ الدكتور يوسف والي - الذي كرس حياته في خدمة بلده فى قطاع الزراعة بدءاُ من جامعة عين شمس ثم وزارة الزراعة وإستصلاح الأراضى على مدى خمسين عاماُ.

وقد ركز على تحديث التدريس والبحوث فى الجامعة -أكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا وكذا على مدى 24 عام فى تحديث وربط البحوث الزراعية بالإنتاج.

إحتضن شباب الباحثين والعلماء المصريين فى مصر والعائدين من الخارج وحرص على دعمهم وتوفير الموارد لهم فى فترة الستينات والسبعينات، واستمر فى ذلك مما كان له أثر كبيرعلى تكوين الكوادر البشرية العلمية فى مركز البحوث الزراعية-مركز بحوث الصحراء- الجامعات (كليات الزراعة) وقد حرص على مدى سنوات عديدة على ترابط العمل المشترك بين العاملين فى كافة المؤسسات التى تُعنى بالبحث العلمى الزراعى وربطه بالإنتاج والتصنيع الزراعى.

دأب على دعم وزيادة انتاج الزراعى للمحاصيل الإستراتيجية مثل القمح والذرة والأرز وأرسل بعثات للتواصل مع المراكز الدولية ف مجال القمح والذرة (المركز الدولى CIMMYT والمركزالدولى للبحوث الزراعية فى المناطق الجافة ICARDA) وكذا الأرز (المركز الدولى لبحوث الأرز IRRI) فى الفلبين،وأيضاً المحافظة على جودة أصناف القطن وإنتاجيته.

وأصبحت مصرعضواُ فى المجموعة الإستشارية لبحوث الزراعية الدولية ((CGIAR منذ عام 1996.

مع بداية التسعينات وتبنى الدولة لسياسة الإصلاح الإقتصادى، قاد سيادته برنامجاً للإصلاح الإقتصادى فى مجال الزراعة والذى ترتب علية التخلى عن سياسة التركيب المحصولى الإجبارى، وتحرير عمليات تسويق المحاصيل الزراعية، والغاء التوريد الإجبارى للمحاصيل الإستراتيجية بإسعار منخفضة بدرجه كبيرة عن الأسعار العالمية، وإلغاء احتكار الدولة لتدبير وتوزيع مستلزمات الإنتاج الزراعى ( الأسمدة – المبيدات- التقاوى – المبيدات ..الخ) ، وتشجيع القطاع الخاص على الدخول فى مجال تقديم الخدمات الانتاجية اللازمة للتنمية الزراعية. وقد ترتب على تحرير القطاع الزراعى تطورا كبيرا فى انتاجية العديد من المحاصيل الزراعية واختفاء الأزمات السوقية فى الكثير منها وتزايد الصادرات الزراعية المصرية بدرجه كبيرة.

كان لسيادته الدور الرئيسى فى إصدار قانون جديد للعلاقة بين ملاك

ومستأجرى الأراضى الزراعية والذى عالج بشكل جذرى الخلل الذى نشأ عن قوانين الإصلاح الزراعى التى ثبتت القيمه الإيجارية لتلك الأراضى لأربعين عاما واتاحت توريث العقود الايجارية. وتم الحرص فى القانون الجديد على التعديل التدريجى للفئات الإيجارية ، وإعطاء فترة إنتقالية طويلة نسبيا لتوفيق الأوضاع بين الملاك والمستأجرين، وتعويض المستأجرين المتضررين بأراضى بديلة فى مناطق التوسع الأفقى وبشروط ميسرة مع توفير مقومات التوطين فى هذة المناطق.

قام بتطوير إنتاج الدواجن والإنتاج الحيوانى والثروة السمكية والرعاية البيطرية وإنشاء الإتحاد العام لمنتجى الدواجن والهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية ومايتعلق بهم من بحوث وتطوير (دعم إنشاء المركز الدولى لإدارة المصادر المائية والحيوية ICLARM) فى مصر.

وفى مجال البساتين تم تحديث البرنامج فى الجامعات والوزارة وعمل مشروعات مشتركة بهدف تحسين الإنتاج المحلى والتصدير الذى وصل قيمته إلى أكثر من 4 مليار دولار (طازج ومصنع) وفى إنتاج النباتات الطبية والعطرية، كما تم إنشاء جمعية تنمية وتطوير الصادرات البستانية (هيا). وإستخدم المنح من دول صديقة (مشروع مصر كاليفورنيا ADS والمشروع المصرى لتحسين محاصيل الحبوب الرئيسية EMCIP خلال الثمانينيات والمشروع القومى للأبحاث الزراعية NARP خلال 1987-1995ومشروع نقل وإستخدام التكنولوجيا فى مجال الزراعة ATUT،خلال 1995-1999 لدفع هذه المسيرة من تنمية بشرية والتعاون الدولى، وتم دعم أكثر من ألف باحث للحصول على ماجستير ودكتوراه وزيارات مابعد الدكتوراه للتدريب فى مجال طرق البحث العلمى الحديثة وقد تم دعم هذه المشروعات بما يقرب من مليار دولار (كمنح).

إهتم بتطوير نظم إنتاج التقاوى المحسنة وإدخال التكنولوجيا الحديثة وتطوير الإرشاد ووضع القوانين والضوابط لها وتوفير المعامل. وقد تزامن مع هذا السعى مراجعة دورية للإستراتيجة الزراعية فى مصر خلال فترة الثمانينات والتسعينيات والتركيز على الأهداف التى تهم الصالح القومى.

فى إطار دعم كوادر البحث العلمى الزراعى فى المراكز البحثية والجامعات، فقد أنشأ المكتبة القومية الزراعية (أول مكتبة قومية أكاديمية متخصصة فى الشرق الأوسط وثانى مكتبة قومية متخصصةعلى مستوى العالم بعد مكتبة NAL فى وزارة الزراعة الأمريكية)، حرص على توطين أحدث معطيات العلم فى مصر ودعم إنشاء معهد بحوث الهندسة الزراعية، وإصدار القرار الجمهورى الخاص بإنشاء مركز بحوث الصحراء عام 1990. ومعهد بحوث الهندسة الوراثية (البيوتكنولوجى)، وإنشاء المعمل المركزى للنظم الزراعية الخبيرة والتى تعتمد على الذكاء الإصتناعى وكذا والمعمل المركزى للمناخ الزراعى- وعمل على تطوير وتحديث باقى معامل مركز البحوث الزراعية بأحدث المعدات والأجهزة فى ذلك الوقت.

ترأس جمعية الصداقة المصرية الصينية منذ الثمانينات على مدى أكثر من عشرين عام. إكتسب مصداقية دولية فى قطاع الزراعة وإنعكس ذلك على مشروعات التعاون المشترك مع دول عديدة فى العالم. وأٌنتخب رئيساُ للمجلس الوزارى للغذاء العالمى أوائل التسعينات لمدة 5 سنوات.

أنشأ اللجنة القومية للزراعة المحمية والتى أشرفت على مشروع قومى للبنية البشرية وتدريب أكثر من 3500 مهندس زراعى (كوادر مدربة) فى أسبانيا وهولندا وألمانيا واللملكة المتحدة.

أنشأ ودعم اللجنة القومية لللإستخدام المستدام للأراضى عام 1987 حتى 1994 والتى تعنى برصد الأحوزة العمرانية من خلال التصوير الجوى وصور الأقمار الصناعية بهدف الحفاظ على الرقعة الزراعية من التعديات.

عكف على دعم مشروعات إستصلاح الأراضى وتشجيع الشباب من خلال مشروع شباب الخريجين وكذا تشجيع المستثمرين فى التنمية من خلال مشاريع ضخمة لإستصلاح الأراضى الصحراوية وأنشا مجمعات زراعية صناعية، أتبعها حركة تنمية زراعية شاملة، وكان حريصاُ على قضاء عطلة نهاية الأسبوع والعطلات الرسمية فى الزيارات الميدانية لكافة مشروعات الإستصلاح على مستوى الجمهورية.

تصدى بصبر وحكمة للشائعات والإفتراءات من الطامعين والمرتزقة من الجهلة والمضلين. وكان أهم مايعنيه فى هذه المسيرة هو إستقرار مصر ونهضة الزراعة التى إعتبرها العمود الفقرى للتنمية المستدامة فى مصر. وكان مكتبه مفتوحاً لجميع الفلاحين من كافة قرى مصر ونجوعها للإستماع إليهم وحل مشاكلهم بصفة مستمرة.

هذه اللمحات المختصرة من العطاء الوفير الذي عاصرته كشاهد منذ الستينيات

أ.د. عادل البلتاجي