بحيرة المنزلة .. ”بروستريكا” الثروة السمكية
أجزم بأن رئيس الجمهورية لم يصادق على مشروع تعميق بحيرة المنزلة، الجاري حاليا، إلا بعد الاطلاع على دراسة مؤكدة لزيادة غلة البحيرة من الأسماك البحرية الثمينة، مثل: الجمبري، والدنيس، والقاروص، واللوت، وموسى والحنشان، وغيرها.
من عرضوا الدراسة على الرئيس السيسي لم يستعينوا بأهل الذكر في هذا المجال، وهم فريقان: الأول أهل الخبرة من شيوخ الصيادين، وصُنّاع البوص، وغيرهم ممن يعيشون على خيرات البحيرة منذ مئات السنين، والثاني يضم علماء البحار والبحيرات وهم قِلة في مصر.
تطهير البحيرة لا يعني التعميق بالضرورة لتحويلها إلى حوض سباحة أمام القصور الفخمة التي بناها متنفذون على ضفتها بالمخالفة للقانون، بقدر ما يعني رفع تلوث مياه بحر البقر عنها، والعنصر الأخير لا يمثل ربع التكاليف، لكنه يمثل تسعة أعشار المخاطر التي كانت تهدد البحيرة والصحة العامة لمن يعيشون على خيراتها، ومن يأكلون ثمرتها.
حول الرئيس رجال صادقون لا شك، وليس صعبا عليهم أن يترجلوا في مبايع السمك المنتشرة في مناطق مراكز: شطا، والمنزلة، والجمالية، والمطرية، ومثلها في محافظات الشرقية. وبور سعيد، ودمياط، ليصوروا بعيونهم أولا حالة الصيادين من وجوههم المكدودة، وأجسادهم الشاحبة بفعل الجوع والعوز.
بسؤال هؤلاء الناس، المنتمين إلى كتيبة قوامها نحو 20 ألف صياد حر، سوف يحصل الرجال المخلصون على النتيجة الحقيقية لأعمال التكريك والتعميق، التي صدرت بشأنها توجيهات رئيس الجمهورية، وخصص لها من "مال مصر" تكلفة مبدئية تقدر بنحو 13 مليار جنيه.
توجيهات الرئيس بتطوير بحيرات مصر، وأولها بحيرة المنزلة، استهدفت عدة نقاط عامة، هي بترتيب الأولويات:
- رفع تلوث الصرف الصحي الواصل إلى قلبها العملاق من شريان بحر البقر، فرسّب فيه الحمأة، وأسكن في قاعه العناصر الثقيلة القاتلة للأسماك ومستهلكيها.
- إزالة التعديات الماثلة في "تحويطات" المزارع السمكية الخاصة التي زرعها متنفذون بحراسة بلطجية داخل البحيرة، بما يخالف قانون الزراعة المصرية الذي يمنع إقامة المزارع السمكية داخل البحيرات.
- إزالة "تحويطات" الشبك المقابلة للبواغيز الكبرى لاصطياد الزريعة الثمينة واحتكار تربيتها في مزارعهم الخاصة، أو بيعها لنظرائهم المحظيين أيضا بمزارع داخل البحيرة.
- تطهير قيعان بعض مناطق البحيرة، من الرواسب التي رفعت منسوبها لمستوى يعوق تكاثر الأسماك، "وليس تعميقها للإبحار والنزهة" بقوارب أهل الخطوة، والأخيرة هي التي تتم حاليا، للدرجة التي حرمت القاع من ضوء الشمس، ومعه إعدام الطحالب البحرية التي تتغذى عليها الأحياء المائية.
- وقف تمدد البوص والنباتات للدرجة التي تعوق الصيد الحر، وليس إخلاء البحيرة منها نهائيا، وبالتالي هدم أعشاش تكاثر معظم الأسماك، وتجفيف منابع أرزاق آلاف الأسر التي استوطنت قرى ومراكز المحافظات الأربعة المحيطة بالبحيرة، للعمل في الحِرَف التقليدية القائمة على البوص.
- توسيع القنوات الشعاعية المعروفة والمحفوظة لصيادي البحيرة من قديم الأزل، وتفيدهم في التنقل السريع والآمن بين أرجاء البحيرة، وليس تحويل البحيرة إلى حوض عملاق يصعب الاحتماء فيه بمرسى ضحل إذا هبت عاصفة، أو قامت قيامة وجه البحيرة بفعل النوات المفاجئة للصيادين.
- تطهير البواغيز (الأفواه) التي تصل البحر المالح بالبحيرة، وزيادة عددها، بما يلبي حاجتها من المياه المتجددة، وما تجلبه من أرزاق تتمثل في الزريعة الثمينة الوافدة، والكثير من الأسماك البحرية التي تهديها حرية التنزه في هدأة أمواج البحيرة.
- التطهير الفعلي للبحيرة من البلطجة بأنواعها المختلفة، منها: تجفيف حوافها لبناء القصور الفخمة للمحظيين من الرجال، والأحياء السكنية التي تخلقها قرارات محافظين، أو الصيد الجائر بالكهرباء والمبيدات، وذلك يتطلب الكيل بمكيال واحد في رفع التعديات، وإيقاف بناء المستوطنات بدعوى توفير مساكن، ورفع آليات وتجهيزات رجال شرطة المسطحات، ودعمهم بعدة وعتاد ورجال "حرس السواحل".
يبقى أن نوجه بعض الرسائل إلى المسؤولين عن هذا الملف:
- توجيهات الرئيس بتطوير البحيرة استهدفت نتيجة واحدة: زيادة غلة البحيرة من جميع أنواع الأسماك (الشعبية منها والفاخرة)، نظيفة وخالية من التلوث، وتوفيرها كمصدر رزق لنحو 20 ألف صياد حر، يعمل على هامشهم نحو 80 ألف "مسترزق"، وكلهم أرباب بيوت يجب أن تظل مدارس لتخريج آدميين نافعين، وليس مفرخات لتفريخ عاطلين ينضمون إلى قوائم "مسجل خطر".
- الغلة الحقيقية للبحيرة حاليا لا تُقدر إلا بما يظهر في مبايع الأسماك حول البحيرة، وهي تقل حاليا عن 20٪ مما كانت عليه قبل البدء في تنفيذ توجيهات الرئيس بتطوير البحيرة.
- لن ينفعكم ما يجلبه إليكم إداريون وموظفون ضعاف النفوس، من أسماك فاخرة مشتراة للتصوير خصيصا، فتضمنونها تقارير رسمية تُرفَع إلى الرئيس السيسي، بنتائج الأعمال الحالية لمخطط التطوير الذي يقصده الرئيس، "وليس الذي يجري تنفيذه حاليا".
- لن يفيدكم إخفاء الحقائق وحجبها، فالانصياع لتوجيهات أهل الخبرة من الصيادين أولا، ومن علماء البحار والبحيرات ثانيا، يمثل خط الرجعة عن الطريق المؤدية إلى إهلاك أموال مصر، في إحراق ثرواتها الطبيعية.
- النتيجة النهائية ستظهر للعيان لا محالة، ويومها سيتبين الرئيس نفسه أن الأموال التي اعتمدها لتطوير بحيرة المنزلة، كانت كافية لحفر بحيرة جديدة كليا على ساحل البحر المتوسط في الصحراء الغربية، ويومها أيضا لن يرحم التاريخ ميتا، ولن يرحم الرئيس حيا تستر على جريمة "أركانها ماثلة للعيان حاليا"، فاستبقوا الخيرات - وقد قارب الأوان على الفوات".