هرم الزيتون .. قاعدة مُستضعفة وقمة احتكارية قابضة
اطلعت على خطاب أعده عدد من مصنعي ومصدّري الزيتون في مصر لإرساله إلى السيدة نيفين جامع وزير الصناعة والتجارة الخارجية، حددوا فيه عددا من المطالب التي تستهدف تعويض ما أسموه خسائر الموسم الحالي، بسبب نقص إنتاجية مزارع الزيتون إلى نحو 10٪ من إنتاجية العام الماضي، وكان محصوله منخفضًا جدا كذلك. الانخفاض غير المسبوق لموسمين متتاليين سببه التغيرات المُناخية القاسية.
لى تعليق على مسودة هذا الخطاب وهو رأي شخصي subjective غير ملزم لأحد - حتى وإن كان يعتمد على تحليل موضوعي objective لحلقة تداول الزيتون للقيمة المضافة في مصر وهو ما يطلق عليه ال
Supply Chain (Added Value Chain)
أولا: تحليل الهرم الإنتاجي لصناعة الزيتون المصرية
- هذا الهرم قاعدته عشرات الآلاف من المزارعين وليس بهم حصر عددي واضح "وهؤلاء استثمروا مليارات من الجنيهات"، على مدار ما يزيد على 35 سنة، وترافقهم العمالة الموسمية التى تقوم بجمع المحصول في قاعدة الهرم.
- 59 مليون يومية عمل لموسم جمع الزيتون المصري
وبحسبة بسيطة على متوسط إنتاج مصر خلال السنوات التي تبوأت فيها المركز الأول إنتاجًا وتصديرًا لزيتون المائدة، فعدد هؤلاء يبلغ 55,000 عامل، يعملون فى المتوسط لمدة 90 يوما أى "58,950,000 عامل يومية.
فأين بالله فى هذا الخطاب الاستجدائي المزارعين الذين أنفقوا المليارات، ودورة رؤوس أموالهم التي تقاس بعشرات السنين، وكذلك عمال الحصاد، الذين لا مدخول لهم إلا فترة جمع المحصول؟
هذا الخطاب فضلًا عن كونه استجدائى إلا أنه يتسم كذلك بالأنانية ومحاولة خطف أطواق النجاة من على ظهر المركب المعرضة للغرق في صياغة عبثية ومبكية تشبه الكارثة المشهورة تايتنك.
- يتوسط الهرم الإنتاجى تجار الزيتون ومرة أخرى ليس لهم حصر عددي واضح، ولذا نقدرهم بحوالى 3000 تاجر تقريبا. هؤلاء مثلهم فى ذلك، مثل مزارعى الزيتون، لهم كل الاحترام لدورهم المهم جدًا فى الخدمات اللوجستية من تقدير كمية المحصول فى مزارع كثيرة، ثم إدارة جمع المحصول وفرزه وتصنيفه ونقله، "وبهدلة" التسليم على أبواب "نخبة المصانع".
والأهم أن بعضهم يمول المزارع الصغير طوال العام للإنفاق على زراعاتهم، كما يحدث في الفيوم على سبيل المثال. البعض منهم يتلقى دفعات مقدمة من "النخبة" تحت حساب التوريد، إلا أن الكثيرين منهم يمولون "نخبة المصانع"، نتيجة لتأخر سداد مستحقاتهم من قبل هذه "النخبة"، حتى أن البعض منهم لا يزال لهم مستحقات من محصول موسم 2020/2019.
- ثم يأتى فى قمة الهرم "النخبة" ممثلى المصانع ونقدرهم بما لا يزيد عن 100 شخص على أحسن الأحوال.
ولقلة عدد أعضاء فريق النخبة فى الهرم الإنتاجى، فرضوا على مدار عشرات السنين سياسة احتكارية فى تحديد الأسعار، بدأت منذ نحو 28 سنة فى لقاءات ب 33 شارع جامعة الدول العربية، كنت أحضرها كمراقب ومعى نخبة مراقبين من علماء الزيتون فى مصر، منهم: الدكتور محمد السيد، الدكتورة إكرام، والدكتور عدلي الخطيب، طيب الله ثراه وأدخله جناته العلى.
كان أصحاب مصانع تخليل الزيتون فى هذه اللقاءات يفرضون أسعارا غير عادلة على التجار فيفرضها التجار بدورهم على المزارعين الذين أنفقوا المليارات ويعانون من ارتفاع أسعار كافة المدخلات، بحيث أصبحت زراعة الزيتون لا تغطي عوائد استثماراتهم طويلة الأجل، ولا تغطى حتى نفقات التشغيل السنوية.
هذا يحدث منذ سنوات وقبل كارثة التغير المُناخى المتكررة، فأدى ذلك إلى أن قلة من مزارعى الزيتون بدأوا فى تغيير نشاطهم بتقليع اشجارهم، وهذه القلة متوقع أن تزداد أعدادها خلال السنوات القريبة المقبلة إذا لم نجد حلولًا ناجعة لحلقة تداول الزيتون وتحت تدخل مباشر من الدولة.
الغالبية من "النخبة" أساءوا لسمعة مصر فى أسواق التصدير، لأن غالبية صادراتهم تعتمد على الكم بتصدير الجملة وليس على الكيف بتصدير منتج نهائي، حتى أن مصر برغم تصدرها قائمة منتجي العالم لزيتون المائدة، وحيازتها المرتبة الأولى تصديرا، إلا انها تأتى فى المرتبة التاسعة عالميا فى الإيرادات.
وما زاد الطين بلة، أن أعضاء "النخبة" يتسابقون فيما بينهم على خطف المستوردين من خلال تخفيض أسعار الصادرات، طالما أن هناك قاعدة الهرم التي تتحمل ماديا تبعات تصرفاتهم ضيقة الأفق.
كل ذلك أدى إلى أن صناعة الزيتون فى مصر أصبحت تحت مقصلة المستوردين.
ولا يفوتنا كمثال لتطبيق سياسة الاحتكار، تهديد "النخبة"، بشائعات غاية في السذاجة والسطحية، بإعلان نيتهم إستيراد الزيتون الخام للضغط على المزارعين والتجار لخفض أسعار الموسم، وهي أسعار مهما كانت قيمتها لن تسد الرمق ولا تكفى شهرين إلى أربعة أشهر فى أحسن الأحوال للصرف على المزارع، وهذا من المحتمل أن يؤثر سلبًا على محصول العام المقبل، بعيدًا عن التغير المُناخى، وذلك لقلة المحصول.
المزارعون في حاجة إلى أموال يعلم الله مداها، ومصدرها، لإعادة التوازن بين الكربوهيدرات المخزنة والنيتروجين من أجل محصول متوسط، فمن أين لهم ذلك؟
ثانيا: سألجأ إلى تحليل بعض النقاط المثارة فى الخطاب:
- إذا كانت استثمارات المصانع تتعرض للضياع، فأين استثمارات المزارعين؟
- وفيما يخص حديثهم الوارد في الخطاب عن معضلة التخلي عن عدد كبير من العمال، فأين عشرات الألآف من عمال الحصاد وعمالة المزارع الدائمة؟
- يتحدثون عن هدر ملايين الجنيهات التى تم استثمارها في زراعة الزيتون: وللتصحيح، فهي مليارات وليست ملايين.
من الممكن أن تكون ملايين تخص البعض القليل من "النخبة" الذين زرعوا مساحات قليلة لا تقارن بالمساحات التي تخص المزارعين وهدفهم في ذلك زيادة قدراتهم الاحتكارية.
- وفيما يخص إهدار العملة الصعبة، فهى النذر النذير مما يجب ويتحتم أن يكون نتيجة لصادرات الجملة والتنافس القائم على تكسير الأسعار بين "أعضاء النخبة" وتحميلها في النهاية للمزارعين.
الجزء الثاني من الخطاب، يتضمن طلبات تخص "نخبة المصنعين" ومن ثم فهى لا تخص قاعدة الهرم، ولا أوسطه ولذا لن نعلق عليه.……….
ملحوظة: سنلحق هذا التحليل بمقالة أخرى بحلول مقترحة لتكوين تعاونيات لمزارعي الزيتون لضبط كيان صناعة الزيتون وسلسلة القيمة المضافة.
………………
* الخبير الدولي في الزيتون