خبراء: صوب مصر الزراعية تكتب مستقبل الغذاء

قال الدكتور محمد غريب العشري، الباحث بقسم بحوث الزراعات المحمية، تحقق الزراعات المحمية في مصر قفزة نوعية غير مسبوقة، حيث تجاوزت مساحاتها حاجز الـ 30 مليون متر مربع، لتصبح مصر ثاني أكبر دولة في العالم من حيث مساحات البيوت المحمية.
وأوضح العشري أن هذه الثورة الزراعية بدأت بخطوات بسيطة في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، من خلال تعاون مصري فرنسي أثمر عن إدخال صوب زراعية بدائية لم تتجاوز مساحة الواحدة منها 540 مترًا مربعًا. ومنذ ذلك الحين، بدأت الفكرة في التوسع تدريجيًا حتى وصلت إلى ما نراه اليوم من انتشار واسع ونمو ملحوظ.
الزراعة المحمية: أسلوب تكنولوجي للتوسع الذكي
الزراعات المحمية، بحسب العشري، هي أحد أشكال التوسع الزراعي الذكي، الذي يعتمد على التكنولوجيا لزيادة الإنتاجية وتحقيق التكثيف الزراعي. وتُستخدم البيوت المحمية كوسيلة لزراعة الخضروات غير محدودة النمو في بيئة اصطناعية، توفر الحماية من الظروف المناخية القاسية وتتيح إنتاج المحاصيل على مدار العام، ما يحقق عائدًا اقتصاديًا مرتفعًا.
إلا أن نجاح هذه المنظومة لا يتحقق إلا بتوافر عدد من الاشتراطات الدقيقة في الموقع المختار لإقامة البيوت المحمية، وهو ما اعتبره العشري بمثابة "قواعد صارمة" وليست مجرد نصائح. من أبرز هذه الشروط أن تكون الأرض مستوية، جيدة الصرف والتهوية، خالية من التربة الكلسية، وأن تتوافر بها مياه ذات جودة مناسبة تتراوح ملوحتها بين 400 و800 جزء في المليون، وألا تتجاوز 2500 جزء في المليون.
كما يشترط أن يكون الموقع قريبًا من الطرق والمواصلات لتسهيل حركة التسويق وانتقال العمالة، وألا تُقام الصوب بصورة فردية متفرقة بل ضمن تجمعات إنتاجية لتقليل تكلفة التشغيل وتحقيق كفاءة عالية في الإدارة.
مراكز تحكم ومعامل وأرصاد.. منظومة متكاملة لإنتاج احترافي
ولتحقيق أقصى استفادة من هذه المنظومة، أشار الدكتور العشري إلى أهمية توافر البنية التحتية العلمية داخل مواقع الزراعة المحمية، مثل وجود معمل لفحص الآفات والأمراض، ومحطة للأرصاد الجوية لتحليل بيانات المناخ وربطها بمستشعرات داخل البيوت المحمية، مما يسمح بالتحكم الآلي في درجات الحرارة والرطوبة والتهوية دون تدخل بشري.
كما يجب إنشاء محطة لفرز وتعبئة المنتجات الزراعية، ومعمل للمخصبات الحيوية، ومواقع مخصصة لتدوير المخلفات النباتية وتحويلها إلى سماد عضوي صحي وآمن (كمبوست)، بالإضافة إلى مصدات رياح طبيعية وأسوار واقية تحيط بالموقع.
تصميمات متنوعة وفقاً للبيئة والمناخ المحلي
من العوامل الحاسمة في نجاح الزراعة المحمية تصميم الصوبة بما يتلاءم مع البيئة المناخية للمنطقة. ففي المناطق الباردة، يُفضل استخدام تصميمات ذات أسطح كبيرة لزيادة امتصاص الإشعاع الشمسي، أما في مناطق البحر المتوسط والدول الحارة، فتصميمات البيوت يجب أن تكون أقل في المسطح لتجنب التراكم الحراري وتوفير تكاليف التبريد.
كذلك، يتدرج استخدام التكنولوجيا داخل البيوت المحمية من البسيط إلى المتقدم حسب الإمكانيات المتاحة، حيث يختلف الغطاء المستخدم في البيوت (بلاستيك أو بولي كربونيت)، من حيث التكلفة وطول العمر الافتراضي، والذي قد يتراوح بين عامين إلى عشر سنوات.
شبكات ري حديثة وتصميمات مقاومة للرياح
ومن أبرز مكونات التصميم الجيد للبيت المحمي: الالتزام بالمواصفات العالمية للهياكل المعدنية، مثل عدد الأقواس، نوع الجلفنة، وأسلوب التثبيت، إضافة إلى ضرورة توافر شبكة صرف فعالة لجمع مياه الأمطار وإعادة استخدامها. كما يُشترط وجود بيت خدمة مركزي يحتوي على السمادات، وغرف التحكم، والأدوات الزراعية، بما يضمن كفاءة التشغيل والإدارة.
وأشار العشري إلى أهمية اختيار شبكة ري مناسبة تعمل تلقائيًا بالتكامل مع بيانات الطقس، ما يعزز ترشيد استهلاك المياه ويحسن جودة الإنتاج الزراعي.
أخطاء شائعة تهدد نجاح البيوت المحمية
ورغم هذا التقدم، حذر الدكتور العشري من عدد من الأخطاء الشائعة في إدارة البيوت المحمية، أبرزها استخدام أغطية غير مناسبة من حيث السمك أو المعالجة ضد الأشعة فوق البنفسجية، أو تثبيتها بشكل غير محكم على الهيكل المعدني، مما يعرض الصوبة للتلف.
كما أشار إلى مخاطر استخدام أسمدة غير صحية مثل "سبلة الكتكوت" أو كمبوست منخفض الجودة، وعدم مراعاة التهوية المناسبة داخل الصوب، مما يؤدي إلى تراكم الحرارة والرطوبة بشكل مضر بالمحاصيل. من بين الأخطاء الأخرى: عدم استخدام الستائر الداخلية للتظليل، إهمال أدوات قياس الحرارة والرطوبة، زراعة هجن غير ملائمة للبيئة المحمية، وتأخير غسيل التربة من الأملاح في نهاية الموسم الزراعي.
نحو زراعة محمية ذكية ومستدامة
شدد الدكتور محمد غريب العشري على أن مستقبل الزراعة في مصر يعتمد بشكل كبير على التوسع الذكي في الزراعات المحمية، ليس فقط من حيث الكم، بل من حيث الكفاءة والجودة. فالتخطيط الجيد، والاعتماد على التكنولوجيا، وتلافي الأخطاء الشائعة، كفيلة بتحقيق الأمن الغذائي وفتح آفاق جديدة أمام الاستثمار الزراعي.