كيف نحصد محاصيل مضاعفة دون توسيع الأرض؟

أكد المهندس جمعة محمد عطا، الخبير الزراعي، في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه القطاع الزراعي، يبرز "التكثيف الزراعي" كخيار استراتيجي يسعى إلى تعظيم الاستفادة من الموارد الطبيعية، وعلى رأسها الأرض والمياه، في ظل محدودية القدرة على التوسع الأفقيزمشيرًا إلى أن هذه المنظومة تمثل أحد الحلول الذكية لتعزيز الإنتاج وتحقيق الأمن الغذائي.
فلسفة جديدة في استغلال الموارد
يوضح عطا أن التكثيف الزراعي لا يعتمد فقط على زيادة كمية الزراعة، بل يتطلب تحسينًا نوعيًا في استخدام الموارد، حيث يرتكز على رفع إنتاجية وحدة المساحة من الأرض والمياه، مع إمكانية تحسين إنتاجية العمل ورأس المال أيضًا
وأشار إلى أن تحقيق هذا الهدف يقتضي إدخال أصناف نباتية وسلالات حيوانية جديدة، تمتلك طاقات وراثية عالية، شريطة أن يتم توفير الظروف المثلى التي تمكّن هذه الطاقات من الظهور وتحقيق الإنتاجية المرجوة.
التكثيف لا يعني فقط الكمية.. بل القيمة أيضًا
واحدة من أهم مزايا التكثيف الزراعي، بحسب الخبير، هي التحول من زراعات منخفضة القيمة إلى أخرى ذات قيمة اقتصادية عالية، وذلك من خلال زراعة محاصيل في ظروف بيئية محكمة داخل الصوب الزراعية، حيث يمكن التحكم في درجات الحرارة، الرطوبة، الإضاءة، إضافة إلى مقاومة الأمراض النباتية.
كما يتيح التكثيف الزراعي، وفقًا لعطا، فرصة تحسين تقنيات الخدمة الزراعية بشكل متكامل، بداية من اختيار البذور، مرورًا بتطبيق الأسمدة المناسبة، وانتهاءً بمكافحة الآفات، ما يساهم في تحسين جودة المحاصيل وزيادة إنتاجها دون الحاجة إلى التوسع في المساحات المزروعة.
أرض واحدة.. محاصيل متعددة
ويوضح عطا أن من أهم صور التكثيف الزراعي ما يُعرف بـ تكثيف المحصول، أي زراعة أكثر من محصول على نفس قطعة الأرض خلال فترة زمنية واحدة، مشيرًا إلى أن هذا النوع من التكثيف يتطلب مجموعة من الشروط الضرورية، من أبرزها توفر مياه الري، المناخ المناسب، خصوبة التربة، والمهارات البشرية المدربة.
أنماط متعددة.. وأهداف واحدة
وكشف الخبير الزراعي عن عدة أنماط للتكثيف الزراعي يمكن تطبيقها وفقًا لنوع المحصول وطبيعة التربة، ومن أبرز هذه الأنماط:
1. التحميل: زراعة أكثر من محصول على نفس الأرض بشكل متزامن.
2. زراعة أكثر من نبات في الجورة الواحدة: استغلال المساحة الرأسية بشكل أكبر.
3. تقليل المسافات بين الجور: لزيادة عدد النباتات في وحدة المساحة.
4. الدورة الزراعية: تناوب زراعة المحاصيل لزيادة خصوبة التربة وتقليل مشكلات الآفات.
تكامل زراعي حيواني لتحقيق الكفاءة
يشير عطا أيضًا إلى أن التكثيف الزراعي لا يقتصر على الإنتاج النباتي فحسب، بل يمتد إلى التكامل مع الإنتاج الحيواني، حيث يمكن زراعة محاصيل علفية بالقرب من مزارع الثروة الحيوانية، مما يتيح الاستفادة من الأسمدة العضوية وتحقيق دورة إنتاج مغلقة تساهم في استدامة النظام الزراعي.
العمليات الزراعية تحت السيطرة
من أبرز مزايا هذا النهج الزراعي أن العمليات الأساسية مثل العزق، الحصاد، والري يمكن التحكم بها وتنفيذها لخدمة أكثر من محصول في وقت واحد، مما يوفر في الجهد والتكلفة ويرفع من الكفاءة الإنتاجية.
وتابع، يمثل التكثيف الزراعي نقطة تحول في طريقة التفكير الزراعي الحديث، حيث ينتقل الفلاح من الاعتماد على المساحة إلى الاعتماد على المعرفة والتقنيات، وهو ما يجعل هذه المنظومة إحدى الركائز الأساسية لتأمين الغذاء وتحقيق التنمية الزراعية المستدامة.