الأرض
السبت 26 يوليو 2025 مـ 10:47 صـ 30 محرّم 1447 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

ذبابة الزيتون.. العدو الخفي لثمار الموسم

ذبابة الزيتون
ذبابة الزيتون

بين غصون الزيتون وفي عمق ثماره، تختبئ واحدة من أكثر الحشرات الزراعية فتكًا بالمحاصيل: ذبابة الزيتون. تنتمي هذه الحشرة إلى رتبة "ذات الجناحين"، وتشكّل تهديدًا مباشرًا لإنتاج الزيتون، سواء من حيث الكمية أو الجودة. مع كل موسم، تزداد أهميتها في عيون المزارعين، ليس فقط بسبب الخسائر التي تُسببها، بل لأنها قد تفسد موسمًا كاملاً إذا لم تُكافَح مبكرًا وبفعالية.


حشرة صغيرة... أضرارها جسيمة

ذبابة الزيتون تُشبه الذبابة المنزلية إلى حدّ ما، إلا أنها أصغر حجمًا، إذ لا يتجاوز طولها 5 ملم، ولونها أصفر كستنائي. جناحاها شفافان مع بقع صفراء عند الأطراف، وتُميَّز بخطوط واضحة على مؤخرة صدرها. تضع الأنثى بيضًا أبيض أسطواني الشكل، تفقس لاحقًا إلى يرقات مخروطية بيضاء بطول قد يصل إلى 8 ملم.

لكن الضرر الحقيقي لا يكمن في شكل الحشرة، بل في تأثيرها على المحصول. تؤدي الإصابة بها إلى:

سقوط الثمار مبكرًا قبل النضج.

انخفاض كمية الزيت بنسبة قد تصل إلى 50%.

ارتفاع حموضة الزيت وتراجع جودته.

عدم صلاحية الثمار للأكل أو التخليل.

نقل مرض سل الزيتون بين الأشجار.


في بعض الحالات، يمكن أن تصل الخسائر السنوية الناتجة عن هذه الحشرة إلى 30% من إجمالي الإنتاج، ما يجعل مكافحتها ضرورة لا خيارًا.

دورة حياة سريعة... وأربعة أجيال مدمّرة

تبدأ الذبابة نشاطها خلال النهار، وتتغذى على الإفرازات النباتية والندوة العسلية. وتضع الأنثى من 100 إلى 300 بيضة خلال دورة حياتها. بعد يومين إلى ستة أيام، تفقس البيوض وتبدأ اليرقات في الحفر داخل لبّ الثمرة، لتكمل نموها خلال 12 إلى 20 يومًا. وتكتمل دورة الحياة الكاملة خلال 4 إلى 5 أسابيع فقط في الظروف المناخية المناسبة.

تتكون الذبابة من أربعة أجيال سنوية، تتعاقب كما يلي:

الجيل الأول: أواخر يونيو

الجيل الثاني: أواخر يوليو

الجيل الثالث: أواخر أغسطس

الجيل الرابع: أواخر سبتمبر


لكن توقيت ظهور الأجيال قد يختلف باختلاف المناطق والظروف المناخية. ومن هنا تأتي أهمية استخدام المصائد الزجاجية التي تحتوي على مواد بروتينية جاذبة لتقدير كثافة الحشرة وتحديد وقت المكافحة بدقة.


الشتاء... موسم البيات في التربة وجدران المعاصر

مع نهاية الموسم، تتخذ الحشرة أشكالًا مختلفة للبقاء حتى العام التالي. فاليرقات تتعذر في التربة على عمق يتراوح بين 2 إلى 6 سم، أو في شقوق جدران المعاصر. أما الحشرات الكاملة من الجيل الأخير فتقضي الشتاء مختبئة بين الأوراق المتساقطة. تدخل الذبابة في طور البيات الشتوي على شكل عذراء حتى أواخر الربيع، لتعود بعدها للنشاط مع ارتفاع درجات الحرارة.


متى نكتشف الإصابة؟

تظهر أعراض الإصابة في شكل بقعة بنفسجية على جزء من الثمرة، وهي إشارة إلى وجود يرقة داخل اللب. وعند تخليل الزيتون المصاب، تطفو اليرقات أحيانًا على سطح الماء، ما يُظهر الإصابة بوضوح.

ومن المهم التمييز بين ذبابة الزيتون وفراشة الزيتون، فكلاهما يُحدث ضررًا، لكن:

الذبابة تترك نقاطًا مزرقة داكنة على الثمرة.

الفراشة تُحدث نقاطًا غير منتظمة، مع وجود ثقب في بذرة الزيتون.

الذبابة تنشط نهارًا، بينما الفراشة ليلية، وتتلف الأوراق والأزهار أيضًا.

الحرارة... عامل طبيعي في كبح انتشار الذبابة

تشير الأبحاث إلى أن ارتفاع درجات الحرارة فوق 34 درجة مئوية يُضعف الذبابة بشكل كبير. في هذه الظروف، تفقد الإناث قدرتها على التكاثر، وتنخفض حركتها بشكل ملحوظ، ما يُعد فرصة ذهبية لتقليل أعدادها.

المكافحة... بين الزراعة والمبيدات والوسائل البيئية

أولًا: العمليات الزراعية

العناية بالأشجار والتسميد المنتظم والتقليم.

تنظيف الأرض من الحشائش والثمار المتساقطة.

حراثة التربة بعد موسم الجني لتدمير العذارى.

تنظيف المعاصر وسد الشقوق لمنع التحول إلى ملاجئ شتوية للحشرة.

جمع الثمار المصابة وحرقها فورًا.


ثانيًا: الطعوم السامة

تُستخدم خلطات من المواد الجاذبة مع المبيدات الحشرية، وتُرش على الأشجار لتقليل أعداد الحشرات الكاملة بفعالية.

ثالثًا: المبيدات الكيميائية

يتم اللجوء إلى المبيدات عند الضرورة، مع ضرورة التوقف عن الرش قبل 50 يومًا على الأقل من موعد القطاف، للحفاظ على سلامة المحصول وجودة الزيت.

المكافحة في أوقاتها... مفتاح النجاح

يُوصى ببدء برامج المكافحة الفعالة خلال شهر يوليو وأغسطس، حسب درجة الحرارة وشدة الإصابة. وتختلف الحاجة إلى عدد الرشات من سنة لأخرى، وفقًا لحجم الحمل على الأشجار أو حسب نوع الصنف المزروع.

في سنوات الحمل القليل، تكون الثمار أكبر حجمًا وأقل عددًا، مما يجعلها أكثر عرضة للإصابة، حتى في حال وجود عدد قليل من الحشرات
الأعداء الطبيعية... جيش خفي يحمينا

هناك العديد من الطفيليات والحشرات المفيدة التي تتغذى على ذبابة الزيتون، وأغلبها ينتمي إلى رتبة "غشائية الأجنحة". الحفاظ على هذه الكائنات الطبيعية يُغني في بعض الأحيان عن استخدام المبيدات تمامًا، ويُعد ركيزة في برامج المكافحة الحيوية الحديثة.
ختامًا... المعركة مع الذبابة تبدأ بالوعي

حماية محصول الزيتون لا تبدأ بالمبيدات، بل بالمعرفة الدقيقة بخصائص هذه الحشرة وتوقيت نشاطها. الذكاء في التعامل معها يكمن في المتابعة المستمرة، واستخدام الوسائل الزراعية والبيئية قبل الوصول إلى مرحلة الضرر الشديد. فالمكافحة الناجحة ليست عملاً موسميًا، بل جزء من استراتيجية زراعية مستدامة تحافظ على ما تبنيه الأشجار عامًا بعد عام.