المراعي تثير صراعات بين رعاة رحل ومزارعين جنوب المغرب
شهدت منطقة سوس في جنوب المغرب في الأشهر الأخيرة توترات بين رعاة رحل يسعون وراء الكلأ والماء ومزارعين يشكون "تعديا" على حقول وغابات يعتبرونها ملكًا لهم، بينما تسعى السلطات لتنظيم الترحال الرعوي بقانون يرفضه كلا الطرفين.
ويستقر مولود (40 عاما) في مدينة تيزنيت في جنوب المغرب منذ سنوات من دون أن يتخلى عن الترحال الرعوي، "فهو جزء أصيل من الهوية المغربية، ولا يمكن وضعنا في قفص"، كما يقول مفترشًا زربية زرقاء تحت خيمة يتخذها الرعاة عادة مأوى لهم أثناء ترحال قطعانهم بين المروج والقرى.
ونصبت الخيمة في سهل خارج المدينة في قرية أربعاء الساحل غير بعيد عن الهضاب التي يتخذها هؤلاء مراعي لقطعان أغنام وماعز، وتكسو شجرة الأركان ونبات الصبار هذه الهضاب وتنتشر وسطها حقول قمح وذرة.
ويشير حماد (35 سنة) منفعلا إلى حقل "أتت عليه أغنام الرحل". ويضيف المزارع المقيم هنا مع عائلته "كل هذه الأراضي ملك للسكان الأصليين أبا عن جد وليست منطقة رعوية. إذا أرادت الدولة توفير مراعي للرحل فليكن ذلك في مناطقهم".
وتعد هذه الهضاب الواقعة على مقربة من الساحل الأطلسي من الوجهات التي يقصدها الرعاة الرحل منذ عقود، لكن السنتين الأخيرتين شهدتا "توافد أعداد هائلة من القطعان تزاحمت في هذا الفضاء بسبب الجفاف ما أدى إلى نشوب احتكاكات مؤسفة مع بعض السكان"، بحسب مولود.
ونشرت "تنسيقية أكال (الأرض بالأمازيغية) للدفاع عن حق الساكنة في الأرض والثروة" على صفحتها على "فيسبوك" صورا ومقاطع فيديو تظهر أشخاصا ملثمين يحملون عصيا وسيوفا، قالت إنهم رعاة رحل "اعتدوا" على أشخاص في قرى عدة بسوس.
وسجلت التنسيقية التي تتكون من جمعيات أمازيغية وإنمائية، "18 حالة اعتداء في منطقة أربعاء الساحل وحدها منذ ديسمبر"، بحسب حسن العضو فيها.
ويظهر أحد الفيديوهات قطعان إبل "تبيد" أشجار الأركان واللوز، بحسب تعبير الصفحة.
وتؤكد السلطات تسجيل 15 حالة احتكاك فقط منذ بداية السنة في منطقة سوس برمتها، معتبرة أنه "جرى تهويل" هذه الحوادث.
وبحسب شهادات عدة متطابقة استقتها وكالة فرانس برس، يعمد بعض السكان إلى تسميم المياه والأعشاب التي تقتات عليها الماشية. ولتفادي تسمم الماشية، يحفظ الرعاة المياه في حاويات بلاستيكية تنقل على سيارات "لاندروفر" ملازمة لأغلب الرحل.
ولا تقتصر النزاعات على الحقول الزراعية وإنما على مجمل الأراضي الحرجية التي يعتبرها السكان "ملكا" لهم يديرونها وفق "أعراف" متوارثة. وتمتد الغابات على أكثر من 1،2 مليون هكتار في منطقة سوس.
ويتحدر معظم الرعاة الرحل من المناطق الصحراوية، بما فيها تلك الواقعة في الصحراء الغربية المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر.
ويشير الرعاة المتحلقون تحت الخيمة حول صينية شاي إلى أن مروج أربعاء الساحل استقبلت لأول مرة هذه السنة رعاة قطعوا أكثر من 1000 كيلومتر، بسبب حدة الجفاف الذي يضرب المغرب دوريا.
وتشكل الصدامات الأخيرة محور أحاديث هؤلاء الذين يلحون على "فخرهم" بثقافة الترحال ونمط العيش المرتبط به، متخوفين من تضرر سمعة الرحل جراء تلك الحوادث.
في خيمة مجاورة، تحضر نساء مرق لحم دسم وكبدا مشويا، ويلفت أبو بكر باسما "هذا لحم صحي، مواشينا تقتات على أعلاف طبيعية".