100 مليون شجرة خيبة .. مجالس بلا جلساء
لا أحد يتشدق بالوطنية وانتحال الصفات القومية إلا إذا كانت لديه بطحة على رأسه، وبطحة الجمعية التي تحمل اسم "المجلس المصري للزيتون"، تتجسد في عدم وجود أي علاقة ما بين اسمها وأفعالها، أو أقوال أعضائها فيما يتعلق بالشجرة المباركة.
انتهى موسم زيتون 2020 قبل أن يبدأ، كما يقول العارفون بهذا المجال، وذلك لعدة عوامل اجتمعت على ضرب المحصول، وبالتالي خسارة مزارعيه، ولم نسمع عن فعل أو قول اتخذته أو أعلنته هذه الجمعية يتماشى مع الاسم الذي سجلته لذاتها، دون أن تدقق الجهات المانحة للأسماء التجارية في خصوصية اسم مصر، حين يتم استخدامه دون ورع.
ولأن الزيتون المصري بلا راع، سيظل دون رعاية، أو مثل مخلوق لقيط، على الرغم من أنه ابنا أصيلا لشجرة ذات تاريخ وثقه القرآن الكريم بالذكر الصريح ست مرات، وبالإشارة مرة واحدة، وظهرت هذه الشجرة أول ظهور لها في مقابر الفرعنة قبل نحو 6 آلاف عام.
- وحينما تخرج مجموعة من الأشخاص بكيان يحمل اسما رنانا، وتدمغه باسم مصر، بغرض كسب الشهرة وجذب الأضواء، فعلى كل عارف أن يعلنها صراحة بأن مصر الدولة ليس لها مجلسا رسميا للزيتون، ولا للبطيخ.
أما الكيان الذي يتزين بهذا اللقب، فهو جمعية أهلية قرر أعضاؤها العمل بتجارة الزيتون بفاكهته الثمرية وعصارته الزيتية وسمعته الصحية، على الرغم من أن أحدهم ليس متخصصا في الزراعة، لا إنتاجا ولا تصنيعا، إلا بهدف التجارة.
- وما يدعو لنبش سيرة هذه الجمعية، تلك الخيبة الثقيلة التي حققتها مصر في موسم 2020 على صعيد إنتاج الزيتون (زيت ومائدة)، حيث بلغت الإنتاجية هذا العام نحو 25٪ من إنتاجية موسم 2019، وعلى الرغم من تراجع العرض أمام الطلب المحلي والعالمي، لم يسجل الزيتون أسعارا تتفق مع نظرية العرض والطلب، ما يعني أن الحصيلة تُسجَل أيضا في خانة الخسائر.
- ومع أن أعضاء هذه الجمعية لا يعرفون حجم الكارثة التي وقع فيها زُرّاع الشجرة المباركة، تعلو أنغام غناويهم بزراعة 100 مليون شجرة، متشدقين بشعار "وفقا لتكليفات رئيس الجمهورية"، رغم أن أحدًا في مصر لم يقرأ أو يسمع خبرا أو تصريحا للرئيس بهذا المشروع، ومع تكراره في وسائل إعلام، بمساعدة إعلاميين ثقاة، مر الموضوع مرور الكرام، حتى صدق المسؤلون الأصليون في وزارة الزراعة، والمركز القومي للبحوث، ومركز البحوث الزراعية، ومركز بحوث الصحراء، أن هذه الجمعية فازت باختصاصهم.
- والعجيب في أمر أعضاء هذه الجمعية، أنهم تعرضوا لمداخلات شديدة اللهجة كون خريطة زراعات الزيتون في مصر تعاني الخلل والعشوائية، وتم تذكيرهم بما لا يعلمونه بأن مصر لا تملك حاليا أكثر من 38 مليون شجرة مثمرة، زُرِعَت منذ نحو 40 عاما مضت، تُنتِج نحو 800 ألف طن في سنة الوفرة، ونحو 250 ألف طن في عام الغبرة، ورغم ذلك يصعب تسويق هذا الإنتاج.
- وصعوبة التسويق في مصر ليست مسؤولية جهة واحدة، كما أن أعضاء الجمعية التي تنتحل صفة "حامي حمى الزيتون"، لا يعرفون كيفية حل مشاكل تسويق الزيتون، رغم أن الأمر لا يتطلب سوى تقليد منتجي الزيتون في تونس مثلا، أو استعارة التجربة الإسبانية أو الإيطالية، من خلال تنظيم المهرجانات بمسابقاتها وفعالياتها التوعوية، وبث البرامج التي تستهدف رفع الوعي بأهمية استهلاك الزيتون وزيته، ونفض الخرافات والأباطيل عن طبيعة زيت الزيتون، وتعريف المستهلكين بصلاحيته للطبخ والتسخين والتطبيب، والتجميل، وغيرها.
ـ والحقيقة، أنه لا أحد يعارض وجود جمعيات أهلية نوعية تعمل لصالح تخصصها، والزيتون تحديدا في مصر يوصف بأوصاف لا تهويل فيها، حيث يضارع فعلا السائل الذهبي، وهو أحوج ما يكون إلى جهة ترعاه، في ظل تراخي الدولة بأجهزتها التعاونية والتموينية والتجارية، وفي ظل تجاهله من المجلس التصديري للصناعات الغذائية، وعدم وجود جهة حقيقية تهتم بوضع أسس لتسويقه، بعد تصنيعه وتعبئته وتغليفه كمنتج نهائي، بأساليب تليق بمصر ذات التاريخ الزارعي والصناعي العريق.
ـ المطلوب ببساطة من مثل هذه الجمعيات الأهلية النوعية، وتحديدا في مجال الزيتون، هو وضع منظومة متكاملة لحماية هذا المحصول من السقوط، مثلما سقط محصول القطن، وذلك بإنشاء كيان يهتم بالتخطيط الحالي والمستقبلي لزراعات هذه الشجرة، من حيث المساحة، وخريطة الأصناف، ودراسة الاحتياجات للسوق المحلية، والفائض للسوق الخارجية، وصياغة عقود الشراكات الشرعية بين المزارعين والتجار والمصانع، وتأسيس شركة مساهمة مصرية يشارك فيها منتجون وتجار وأصحاب مصانع، تهتم بسلاسل الإنتاج والتسويق، وإنشاء صناديق لحماية المزارعين من الكواث الطبيعية والبيئية، وإنشاء بورصة حقيقية تحميه من الارتجال.
ودون هذه الإجراءات، تظل هذه المسميات خاوية من المعاني، وتظل المجالس خالية من الجلساء المصلحين، وتظل أفكارهم الخيالية عبارة عن زارعة 100 مليون شجرة خيبة، تساهم في مزيد من إغراق المزارعين.