توقعات باستمرار اشتعال أسعار الطماطم طوال 2022 .. وارتفاع أسعار الأسمدة يفاقم المشكلة
أزمة طاحنة لشركات بيع بذور الخضار المستوردة بسبب خسائر المزارعين
ـ تراجع مساحات الطماطم يجبر شركات البذور على خفض الأسعار .. ومصاعب في التسويق بسبب نقص السيولة
شهدت أسعار بذور الخضر المستوردة في مصر تراجعا سعريا ملحوظا، تأثرا بتراجع مؤشر الطلب عليها من أصحاب المشاتل، ما يترجم تقليص مساحات الطماطم في جميع مناطق مصر إلى نحو 25 %، وبالتالي استمرار ارتفاع أسعار الطماطم للمستهلك المصري طوال عام 2022.
ووفقا لتجار بذور، تواجه الشركات التي تملك وكالات إنتاج وتربية أصناف البذور الأجنبية، صعوبة في تصريف البذور هذا الموسم، وذلك بسبب مخاوف المزارعين من عدم القدرة على تأمين نفقات التسميد، والري، ومكافحة الآفات، إضافة إلى إيجار الأرض، وأجور العمالة.
وقال أصحاب مشاتل خضار في مناطق الصعيد، والخطاطبة ـ منوفية، وطريق القاهرة ـ الإسكندرية الصحراوي، والمناطق المتاخمة لكفر الشيخ، إن الطلب على حجز شتلات الطماطم للعروة الصيفية، لم يسجل سوى نحو 25% من الطلب الطبيعي، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، "وبالتالي لم نطلب بذورا من الشركات، حتى لا نتحمل ديونا مضافة إلى ديون الموسم الماضي".
م. محمد مصطفى
وأكد المهندس محمد مصطفى مدير عام شركة المشروعات الزراعية، وصاحب مشتل دلتا لشتلات الخضار (طريق الخطاطبة ـ منوفية)، إن الشتلات المتاحة في معظم مشاتل مصر، تعاني من حالة ركود، مفيدا أن تراجع الطلب عليها يأتي نتيجة طبيعية لارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج الزراعي، بما يهدد بخسائر فادحة للمزراعين.
وأضاف مصطفى في تصريح خاص بموقع الأرض، أن تراجع مساحات زراعة الطماطم في مصر، يهدد بانهيار الإنتاجية العامة من المحصول الاستراتيجي المهم للأسرة المصرية، "وهو ما يفسر ارتفاع أسعار هذه السلعة طوال عام 2022، ما لم تتحسن الأحوال الاقتصادية السيئة الناتجة عن أزمة الحرب الروسية على أوكرانيا.
ركود عام في سوق الزراعة
من جهته، قال المهندس محمد زكي صاحب مؤسسة محمد زكي لشتلات الخضار (طريق الخطاطبة ـ منوفية)، إن كثيرا من الحجوزات المتوقعة لشتلات الطماطم، سواء في عروة مارس الماضي، أو عروة يونيو المقبل، لم تصل إلى نسبة 25% من حجوزات العروتين المقابلتين من العام الماضي.
وفسر محمد زكي في تصريحه لموقع الأرض، هذا التراجع بعدم قدرة المزارع المصري على خسارة موسمين متتاليين في مجال الخضار تحديدا، وذلك لبلوغ تكلفة الفدان ما يتراوح بين 50 و75 ألف جنيه (خاصة في محاصيل الطماطم والبطيخ والكنتالوب).
محمد زكي
وأوضح زكي أن منطقة البنجر التابعة للنوبارية ـ في الصحراء الغربية، كانت تزرع مساحات كبيرة من الطماطم في عروة مارس، التي تدخل الإنتاج رسميا أول يونيو، كما كانت تزرع عروة أول يونيو التي تدخل الإنتاج رسميا في أول سبتمبر، لتحقق توازن أسعار الطماطم في الأسواق للمستهلكين.
وأفاد زكي في تصريحه لموقع الأرض، أن مزارعي عروة مارس في منطقة البنجر، فضلوا الهروب إلى الزراعة التعاقدية مع مصدري الفلفل، سواء الطازج، أو الذي يتم تصنيعه بعد تخليله وإدخال إضافات عليه بهدف التصدير للخارج، حيث يجدون ممولين لتغطية تكاليف الإنتاج المرتفعة.
أما عروة مارس، والحديث لمحمد زكي أيضا، فلم تحظ أيضا بالقبول لدى مزارعي الطماطم، وذلك لارتفاع أسعار جميع مدخلات الإنتاج، خاصة الأسمدة، التي فاقت الحدود الآمنة لإنتاج زراعي آمن من الخسائر.
فشل منظومة التسويق الزراعي
وتعليقا على هذه القضية، قال الأستاذ الدكتور حمدي سالم، أستاذ الاقتصاد الزراعي ـ جامعة عين شمس، في تصريح لموقع الأرض، إن فشل الإنتاجية الزراعية في مصر يرجع إلى عدم وجود منظومة تسويق زراعي ناجحة، تحقق العدالة للمزراع، والمستهلك، والدولة، ولا تُهمل أو تشطب الحلقات الوسيطة، لكن تفيد في تقصيرها.
وأضاف سالم أن المنظومة المتكاملة للتسويق يجب أن تشتمل على: الزراعات التعاقدية بضماناتها الائتمانية والقانونية، إضافة إلى تأسيس الصناديق الحمائية ضد أي طوارئ تخص التغيرات المناخية أو الحالات الوبائية، أو السيول المغرقة للمحاصيل، مع الاهتمام بإرشاد المزارع بالعمليات الزراعية السلمية، لضمان إنتاجية مرتفعة متوازنة على مدار العام في العروات الثلاث لمحصول الطماطم على سبيل المثال.
مركز معلومات وتصنيع زراعي
أما الدكتور شعبان عبد الجيد أستاذ الاقتصاد الزراعي بكلية الزراعة ـ جامعة الأزهر، فيرى ضرورة إنشاء مركز معلومات زراعية لاستقبال معلومات المزارعين فيما يخص رغباتهم الزراعية المحصولية، خاصة تلك المحاصيل سريعة التلف، مثل: الطماطم، "وذلك لتقييم الحالة المحصولية وقياس حاجة السوق المصرية، سواء أسواق الطازج، أو التصنيع ـ صلصة وكاتشب ـ وبذلك يمكن الخروج برؤية سليمة تحدد السعر المتوقع، ليكون المزارع أمام خيار الزراعة، من عدمه".
شركات تسويق
ويحدد الدكتور شعبان عبد الجيد في تصريحه لموقع الأرض، اقتراحا إضافيا كأحد حلول مشاكل الإنتاج الزراعي في مصر، يتمثل في تأسيس شركات تسويق عملاقة، موازية للنظام التعاوني الزراعي الذي ثبت فشله، بحيث تكون حلقة اقتصادية عملية ما بين جمعيات التعاون الإنتاجي وجمعيات التسويق الاستهلاكي، بحيث تملك كل سلاسل القيمة المضافة، من منافذ تسويق، إلى سيارات نقل مبردة وعادية تتناسب مع طبيعة كل الحاصلات.
توقعات باستمرار ارتفاع أسعار الطماطم
ويرى عبد الجيد أن التسويق التعاوني في مصر يملك بنية تحتية وأساسية تصلح لرفع قيمة الناتج الزراعي في مصر، شرط تحسين بعض بنود قانون التعاون المصري، بحيث يكتسب المرونة في تحقيق هامش ربح يعينه على تطوير منظومة التسويق بشكل شامل، حيث تتيح له الدخول في تأمين مستلزمات الإنتاج بالجملة من مصانع إنتاجها، أو استيراد ما لا يتم إنتاجه في مصر.
التصنيع الزراعي
ولم يهمل الدكتور شعبان عبد الجيد دور التصنيع الزراعي القائم على معظم الحاصلات، سواء سريعة التلف، مثل: الطماطم، والجوافة، والفراولة، أو غيرها، مثل: البصل، والثوم، والتمور، بحيث يتم التحكم في الفاقد الذي يفيض كثيرا عن الاستهلاك المحلي في بعض العروات، نتيجة العشوائية في الزراعة، وغياب المعلومات المتعلقة بالزراعات الفعلية، والاحتياجات الاستهلاكية والتصنيعية، والإمكانيات المتاحة للتخزين، فيما يخص الحاصلات التي تقبل التخزين.
ومن المعروف أن الفاقد من الحاصلات الزراعية في مصر، يصل إلى نحو 30% من الإنتاجية الكلية، وذلك بسبب فشل منظومة التسويق، والتخزين، والتصنيع، وهي كمية تعادل إنتاجية نحو 2.5 مليون فدان، وتستهلك مياها لا تقل عن 10 مليارات متر مكعب مياه، إضافة إلى نحو 8 مليارت جنيه أسمدة لكل عروة، وغيرها من التكاليف المتعلقة بالطاقة المستخدمة في الري، وتكاليف العمالة، والحصاد، والمبيدات، وغيرها، من تكاليف ثابتة ومتغيرة.